العودة إلى دمشق
علي اليوسف
وكأن قدر أوروبا أن تتحمّل تبعات السياسة الأمريكية وصدماتها في الشرق، وهي التي كانت على الدوام على تواصل وثيق مع هذا الشرق.. اليوم وبعد أكثر من 12 عاماً من التبعية العمياء، أدرك الأوروبيون أن رهانهم كان في غير مكانه، وهم الذين يعلمون أن سورية في موقعها الجغرافي، وفي حالتها القائمة سابقاً وحالياً، تمثّل محوراً لا يمكن الاستغناء عنه.
منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية، كان الموقف الأوروبي الرسمي داعماً للإرهابيين، إذ أمد المجموعات التكفيرية بالسلاح، ودعم الانفصاليين، وشارك في العقوبات والحصار الاقتصادي على الشعب السوري، حتى إن البعض من “قادة” أوروبا بالغ في تغريده خارج السرب كـ فرنسا التي كان رئيسها يبحث عن مجدٍ شخصي عبر المتاجرة بدماء السوريين.
ما نشهده اليوم ربما يكون صحوة مصالح لا ضمير، أو معاقبة للذات، لأن من أغلق سفارته بدون استئذان يريد تغيير قراره المستند إلى انتهاج مقاربة أخرى، فسورية ترحب بذلك ولكن لا تستجدي عودة أحد. وهذا الكلام ليس عبثاً، بل هو حقيقة في حديث الكثير من الدبلوماسيين الغربيين الذين كانوا يطلقون كلاماً إيجابياً، ويتوقون للعودة إلى سورية. وعلى ما يبدو أن هذا الهامش بدأ يتحرّر جزئياً، ربما بسبب قراءة المشهد من زاوية أخرى، والذي بدأت أولى تجلياته بصعود اليمين في أوروبا، والوثيقة الأوروبية، بالإضافة إلى رسالة من وزراء خارجية 7 دول أوروبية لمراجعة سياسة الاتحاد الأوروبي المعتمدة مع سورية، والقائمة على الاستمرار بالضغط عبر العقوبات، وعدم المشاركة في عملية إعادة الإعمار بعيد دخول سورية في مرحلة التعافي.
اليوم تغيّر الوضع على الأرض في سورية، فقد استعادت الدولة السورية السيطرة معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، ما خلق ديناميكية جديدة دفعت بالاتحاد الأوروبي لتعيين السياسي الألماني، مايكل أونماخت، سفيراً لبعثته إلى سورية خلفاً للرئيس السابق، دان ستوينيسكو، وقبله عيّنت إيطاليا ستيفانو رافاجنان سفيراً لها في دمشق، وهي أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في سورية منذ أن عصفت الحرب بالبلاد.
وتتحدث وسائل الإعلام عن أونماخت الذي خبر الشرق أثناء دراسته للغة العربية وآدابها في معهد تعليم اللغة العربية للأجانب في دمشق، ودراسته الأكاديمية في العلوم الإسلامية والتاريخ الحديث، والذي يبدو مؤهلاً – بنظرها – لتقدير تاريخ المنطقة الغنيّ بالثقافات النابضة بالحياة، وتقديم رؤى وطروحات تمهّد لإغلاق ملف العقوبات الاقتصادية الجائرة على الشعب السوري، على عكس غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الذي لم يتمكن من تحقيق تقدم في عملية جنيف أو اللجنة الدستورية، ولم يسفر نهجه التدريجي عن أي نتائج حتى الآن.
وإذا كان التوجّه الجديد داخل الاتحاد الأوروبي يدفع بهذا الاتجاه، على عكس الكتلة الرباعية التي تقود الموقف الغربي، وتضمّ الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، فالمطلوب أولاً الضغط باتجاه رفع العقوبات، لأن ما يهمّ الشعب السوري هو رفع الحصار الاقتصادي، أما إذا كان التوجه الجديد هو لكسب الوقت واحتواء الموقف المتطور لصالح الدولة السورية، فهذا اعتقاد خاطئ، فتوجه سورية اليوم بات نحو الشرق، وليس الغرب الذي خسر مكانته بالحرب على سورية وشعبها.