حدث في الرابطة
عبد الكريم النّاعم
دخل بوجه غاضب يقطر انفعالاً، فتوجّستُ، واستقبلتُه بودّ، فهو يتردّد عليّ في فترات متباعدة، فور جلوسه قلت له: “أقلقني وجهك يا رجل، عسى ألّا يكون شرّاً”.
نفخ بقهر وقال: “هل سمعتّ ما جرى في الرابطة؟!”.
قلت: “لا، وأنا أعرف أنّها رابطة متميّزة، وهي رابطة “أهليّة”، عرفتُها عن قرب يوم كان بإمكاني التحرّك، والذهاب، والإياب، وهي ذات سمعة طيّبة”.
قاطعني: “هنا مربَط القرد، في آخر اجتماع لهذه الرابطة دعينا لانتخاب هيئة لمجلسها، وقُدّمت التقارير..”.
قاطعتُه: “أين المشكلة؟ هذا إجراء اعتيادي”.
قال: “أرجوك دعني أُكمل.. في التقرير المالي الذي قٌدِّم هناك مائة وثلاثة وعشرون مليون ليرة سوريّة، لا يعرف أحد كيف صُرفتْ!!”.
قلت: “غير معقول، فثمّة مسؤول مالي”.
قال: “المسؤول المالي قدّم مداخلة وقال إنّ الموظّفة المكلَّفة بالمحاسبة لم تكن تردّ عليه، وقالوا إنّهم فصلوا تلك الموظّفة”.
قلت: “حسناً فعلوا”.
قال: “أنت طيّرتْ عقلي هَهْ.. ايش حَسَنا وإيش مَسَنًا، فصلوها.. فهمنا.. ما مصير الملايين المفقودة؟!!”.
قاطعتُه: “ألا يريدون مساءلتها وإحالتها للقضاء؟!!”.
قال: “هنا المشكلة، فإذا فعلوا ذلك يكونوا قد أغلقوا باباً واسعاً من الشك، والإشارات التي لا تخلو من الغمز واللمز من أنّ ثمّة مَن اكتفى بفصلها من العمل، وألسنة الناس لا ترحم، فإذا لم يفعلوا ذلك ينطبق على بعضهم القول “مَنْ وضعَ نفسه مواضع التّهمة، فلا يلومنّ مَن أساء به الظنّ”..
قاطعتُه: “يا رجل، الرابطة سُمعتُها مثل المسك، وهي معروفة على مستوى سوريّة، بل وعلى مستوى عدد من الأقطار العربيّة، ولاسيّما نشاطاتها الأدبية والفنيّة”.
قاطعني: “لا تخلط عباسّاً بدبّاس، النشاط شيء وما سمعناه شيء آخر، وأزيدك بعد، ذُكر أنّ مجلس الرابطة السابق قد أوصى على عدد من الدّروع، لتقديمها لعائلات بعض الشهداء”..
قاطعتُه: “أين المشكلة، درع يزيّن بيت أحد الشهداء؟!!”.
قال متبرِّماً: “كُرمى للرسول دعني أُكمل، كل درع كلّف بحسب ما ذُكر ثلاثمائة وثمانين ألفاً من الليرات، فأيّ درع هذا، أهو مرصّع بالجواهر حتى يبلغ هذا المبلغ؟!! ثمّ لا تنس أنّ معظم بيوتنا لا تخلو من وجود شهيد، فلِمَن ستُقدَّم هذه الدروع؟!! إنّ بيوت شهدائنا، وأهلينا وعائلاتهم، بحاجة لربطة خبز، أو علبة دواء، أو قرطاسيّة لأبنائهم، ونحن على أبواب افتتاح المدارس، لا إلى دروع، وتزيينات لا تساعدهم في شيء، وما أكثر ما ينقصهم”..
قاطعتُه: “أرى في لهجتك شيئاً من التحامل، ثمّ ألم يكن هناك مندوبون عن الشؤون الاجتماعية والعمل، فماذا يفعلون؟!”.
قال: “نعم هناك وجود للشؤون الاجتماعيّة، وأرجّح أنّ مهمّتهم كانت مقتصرة على سلامة الإجراء، وما أظنّ أنّ من مهماتهم شيئاً ممّا ذكرتُه لك”.
قلت: “أنا لا أعرف شيئاً ممّا ذكرت، ولذا أتوقّف بتحفّظ”.
قال بحماس: “هَهْ ذكرت..”.
قاطعتُه: “هل يوجد شيء آخر؟!!”.
قال: “نعم، هناك سارية علَم، السارية موجودة، قُدّمتْ من رئيس مجلس الإدارة الأسبق، تركيب هذه السارية، بحسب ما ذُكر، كلّف مليوناً ونصف المليون، مجرّد لحام السارية يكلّف هذا المبلغ،؟!! أنا لستُ عدوّاً للرابطة، ولا لمّن فيها، لكنني دُهشت أن يحدث كلّ هذا، وكأنّ شيئاً لم يكن”.
قلت: “لا تستبقْ الأمور، فما أظنّ أنّ ما ذكرتَه سيمرّ من دون تدقيق، فأنا أعرف بعض أعضاء المجلس الجديد، وأعرف سمعة بعضهم الطيبة من أفواه الناس، وتربطني بالبعض صداقة، وما أظنّ أنّ ما ذكرتَه سيمرّ من دون محاسبة لا تُعفي مرتكِباً، ولا تتغاضى عن مقصّر، وبظني أنّهم سيعلنون ذلك من دون تردّد”.
aaalnaem@gmail.com