ثقافةصحيفة البعث

“وداعاً قمر الأناضول” حكاية حب يائسة بنصوص شديدة الوعورة

أمينة عباس

من الموضوعات البارزة التي يتناولها الشعراء في قصائدهم الحب بشكل عام والخسارة في الحب بشكل خاص، فغالباً ما يستكشفون موضوع الحب الذي يؤدّي إلى مشاعر الحزن والوحدة والحنين، كما حدث مع الشاعر العراقي فائز الحداد في ديوانه “وداعاً قمر الأناضول” الصادر حديثاً في دمشق والذي كان محور جلسة نقدية عُقِدت، مؤخراً، في فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب، بإشراف الدكتور إبراهيم زعرور مدير الفرع، وإدارة الكاتب أيمن الحسن، ومشاركة الدكتور غسان غنيم.

يستعيد الشاعر فائز الحداد في مجموعته ذكرى حبّ قديم عاشه في العشرينيات من عمره حين كان دبلوماسياً بالسفارة العراقية في تركيا ولم يسعفه الحظ الاقتران بمحبوبته لكون القوانين كانت تمنع زواج الدبلوماسي من أجنبية، يقول الحداد: “المجموعة تضمّ قصائد هي حصيلة سنوات متعدّدة، ولها خصوصيتها لأن غالبية النصوص التي جاءت فيها تعبّر عن حالة الحب التي عشتُها وأنا في عشرينيات العمر في تركيا، ولأنها باءت بالفشل بقيتُ أعاني أثرها طيلة حياتي، وكانت السبب الرئيسي في طغيان الحزن على شعري”، ويضيف: “حين تكون التجربة حقيقية تكون الشعرية في أعلى المستويات ويكون الإبداع أكبر وأكثر تعبيراً واتساعاً من التعبير الشعري المتخيَّل، وفي الشعر لا يسمّي الشاعر الأشياء بمسمياتها، إنما بالصورة السريالية والمركّبة، ولكي يكون مقنعاً يجب أن يكون الشاعر مبدعاً وأن يقدّم أمثل تعبير، لأن الشعر يمثل الحالة المثالية في التعبير عن الأحاسيس والمشاعر التي تخصّ الإنسان”.

ويؤكد الدكتور غسان غنيم في قراءته النقدية -التي حظيت بإعجاب الحداد- أن النصوص التي قدّمها الشاعر صعبة وشديدة الوعورة وتصلح لأن تكون مساحة لدراسة أكاديمية كبيرة لشاعر قصيدة النثر فائز الحداد الذي استطاع أن يجعل منها حالة أدبية متميّزة عبر عديد من المجموعات والتجارب التي وضعته في مصاف شعراء قصيدة النثر الكبار الذين تخلوا عن حوامل القصيدة من وزن وإيقاع وقافية، واستبدلوها بنصوص تشعّ بالجدة والطزاجة عبر تجديد علاقاتها لتثير المتعة وتفجّر في متلقيها الإدهاش والروعة”.

والمجموعة حسب غنيم “تصلح من حيث ثيمتها التي انتشرت على جلّ مساحتها لأن تشكل رواية درامية حقيقية لحكاية حب يائسة تحمل كلّ عناصر الدراما عبر شخصياتها التي تشكل نسيج وحداتها، إذ ابُتلي الشاعر بحب يائس حقيقي لقمر الأناضول المخادع الذي لم يبقَ منه، اليوم، إلا ذكرى حب وقلب ما يزال منهكاً، عبَّر عنه صاحبه بنصوص تتوسل لغة مختلفة آسرة هدفها الكشف وليس الإبلاغ، معتمداً فيها الشاعر على التوسع اللغوي والخروج من الدلالة الضيّقة عبر انزياحات غريبة تبتعد عن أفق توقع المتلقي لينقلنا بنصوصه إلى عالم يقترب من الهلوسات السريالية التي تنتج من مخزون اللاشعور لديه لتخلق صوراً بعيدة عن المألوف بلغة متمايزة، يحاول الشاعر من خلالها طرح فكرة المصادفة فيها ليخلق العالم الذي يريد تقديمه بلغة مراوغة تتمرد على كلّ ما هو ثابت في النظام اللغوي، فيجمع بين العناصر الأكثر تباعداً والأكثر تناقضاً، وكأننا أمام ركام لغوي جرفه سيل عارم يقدّمها عبر عملية بناء تمتلك وحدة الرؤيا بعيداً عن الالتزام بالدلالة المألوفة للّغة”. ويضيف غنيم: “كل نصّ يشبه حلماً مكثفاً مضغوطاً يقدّم إشراقة تنفجر أمام المتلقي وتفرض رؤيتها بقوة مشعّة، ويأتي تأثيرها من خلال الصدمة وعبر عملية إدهاش متعمدة لاختراق المواضعة اللغوية الراسخة في أعماق المتلقين، لهذا يحتاج نصه إلى متلقّ مختلف يمتلك صبراً وقدرة على التفكيك والتأويل، مع وجود ظواهر لغوية كثيرة بدت حاضرة في هذه النصوص الملتصقة بالاختلاف المولع به الشاعر إلى جانب شغفه في استعمال ما هو غير مألوف من الألفاظ أو اجتراح صيغ لغوية جديدة تمعن في إلغاء العلاقات اللغوية التي تقوم على المنطق والتلقائية لمصلحة إقامة روابط لم يعهدها المتلقي بين ألفاظ اللغة ليقدّم ما يدهش ويثير، ورؤيا حداثية بنضارتها وطزاجتها تحاول اكتشاف المجهول الكامن في قلب الواقع المألوف، لذا فإن المجموعة تحتاج إلى عمل كبير أكثر تفصيلاً لغناها باللغة اللاعب الأساس لأن الشعر يُبنى بالكلمات، لكن استعمالها لا بدّ من أن يكون مختلفاً لينال الشعرية التي تجعل منه نصاً لا يقف عن حدود المهمّة التواصلية بل يتعداه إلى حالة فنية رائعة ومثيرة”.