أربعائيات.. الحلول في الحالة السورية.. إبداع أم مجرد دراية وحكمة؟؟
مهدي دخل الله
يكاد المراقب لـ “الحالة السورية” يرتبك في فهم أحداث الحرب الإرهابية متعددة الجوانب على سورية، هناك ظواهر وتطورات تبدو متناقضة وغير مفهومة إذا قيّمت خطياً وصورياً. هناك جنيف والأستانة وبرامج “تخفيف التصعيد” والمصالحات وحشر الإرهابيين في إدلب، وهناك التوافق الروسي – الأمريكي تحت عنوان “تجنب الاشتباك”، وذلك في خضم الخلاف الكبير بين الجانبين حول مضامين الحرب وأهدافها، هذا كله يوقع المتابع في حيرة وارتباك.
ويبدو أن “تفكيك” هذه الظواهر ثم “إعادة تركيبها” ضرورة من ضرورات التحليل الموضوعي الذي يسهم في توضيح ما يحدث على الأرض، هذا النهج التفكيكي ضروري فعلاً لفهم منطق “اللامنطق” السياسي الذي تضفي عليه الحرب مزيداً من العبث في كثير من الأحيان.
المستند المنهجي في تحليل أي ظاهرة ينبغي أن يتضمن الأمور الآتي ذكرها:
1 – تحديد هل هي ظاهرة بسيطة أم مركبة تتداخل فيها عوامل كثيرة متعامدة، وأحياناً متوازية، وغالياً ما تكون متعارضة؛ ومن الواضح أن الحرب على سورية هي الأكثر تركيباً وتعقيداً في إطار الحروب المعروفة.
2 – تفرض ظاهرة الحرب على سورية نوعين من التعامل: استراتيجي وتكتيكي؛ وهذا يزيد في صعوبة التعاطي مع الحرب وتحليلها ويوسع دائرة احتمالات الخطأ والضياع في لجة شبكة الظواهر التي تتشكل منها الحرب.
3 – تفرض الحرب تعاملاً متعدداً في إطار التكتيك وفي إطار الإستراتيجية، وهذا التعامل يكون متنوعاً وفق الحالة والمرحلة (المكان والزمان)، فما يصح في منطقة ما قد لا يصح في منطقة أخرى، وما يصح في مرحلة معينة قد لا يصح في مرحلة أخرى.
4 – وهذا يعني أن عملية “التنسيق” بين السياسات المتغيرة لدى القيادة عملية صعبة، وتتطلب الكثير من الدراية والحكمة، بل تتطلب إبداعاً يفوق أنماط السلوك العادي، هذا بالضبط ما يميز القائد التاريخي عن غيره من السياسيين الذين خاضوا الحروب أو قادوها؛ ومن الواضح أنه كلما ازداد تعقيد الحرب – كما في الحالة السورية – ازداد حجم ونوع الإبداع المطلوب من القائد لمواجهة كل هذه الفوضى والعبثية في الأحداث.
المهمة الأولى في إطار هذا التنسيق الإبداعي تحقيق الانسجام بين التكتيك والإستراتيجية، أي بين الوسيلة والغاية، بين الحلول المؤقتة والحل النهائي بوجه عام.
ومن الواضح أن الإبداع هنا أرقى نوعياً من مجرد الدراية أو الحكمة لأن الإبداع يتطلب إيجاد، بل خلق، حلول لم تكن موجودة في السابق، فيما الدراية تقتصر على معرفة الأحوال المشابهة والحلول التي استخدمت فيها، ومن ثم اختيار الحل المناسب منها بعد تكييفه وإعادة إنتاجه وفق الحالة السورية، أما الحكمة فتقتصر على اختيار الحل الأكثر فائدة بين الحلول المطروحة..