بارنييه وأزمة فرنسا المحتملة
هيفاء علي
في خطوة غير متوقعة، وبعد ضبابية و”مماطلة”، حسب تعبير اليسار الفرنسي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 5 أيلول عن تعيين ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء، ليصبح بذلك أكبر رئيس للوزراء سناً في تاريخ الجمهورية الخامسة، حيث يبلغ من العمر 73 عاماً.
ورئيسُ الوزراء الجديد ميشيل بارنييه هو ديغولي حقيقي محسوب على اليمين، وعضو في حزب “الجمهوريين” وشغل سابقاً عدة مناصب وزارية خلال عهد فرنسوا ميتران، وجاك شيراك، ونيكولا ساركوزي، ويجرّ وراءه مسيرة سياسية امتدت على مدى 51 عاماً.
وبهذا التعيين، تنتقل فرنسا من أصغر رئيس وزراء في تاريخها “غابرييل أتال” إلى أكبرهم سناً، ميشيل بارنييه، حيث ولد في 9 كانون الثاني عام 1951 في بلدة لا ترونش الفرنسية التابعة لمقاطعة “إيزير” الواقعة جنوب شرق البلاد.
وبدأ بارنييه مسيرته السياسية في عام 1973 عندما تولّى منصب مستشار عام في مقاطعة “سافوا، ثم أصبح نائباً برلمانياً في عام 1978، ليكون أصغر عضو في الجمعية الوطنية آنذاك، حتى عام 1993.
وفي أواخر القرن العشرين، شهد مسار بارنييه السياسي دفعة حقيقية، حيث شغل منصب رئيس مجلس مقاطعة سافوا، ثم أصبح عضواً في مجلس الشيوخ، ووزيراً للبيئة تحت قيادة ميتران (1993-1995)، ووزيراً للشؤون الأوروبية خلال عهد شيراك (1995-1997)، ثم وزيراً للخارجية (2004-2005)، وأخيراً وزيراً للزراعة والصيد تحت عهد ساركوزي (2007-2009).
ولكن رغم مسيرته السياسية الثرية، لم يحقّق بارنييه حضوراً بارزاً لدى الرأي العام الفرنسي، حيث ظلّ قليل الظهور حتى بين أوساط حزبه اليميني. لكنه في المقابل، تمكن من ترك بصمته داخل الاتحاد الأوروبي، حيث شغل منصب مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الإقليمية بين عامي 1999 و2004، ثم أصبح نائباً أوروبياً سنة 2009، قبل أن يصبح مفوضاً أوروبياً للسوق الداخلية والخدمات.
ويجدر بالذكر أن بارنييه أشرف على تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة ألبرفيل سنة 1992. أما في عام 2016، فتولى منصب كبير مفاوضي “البريكست”، وخلال هذه الفترة نال تقديراً واحتراماً كبيرين في أوساط المفوضية الأوروبية، وفقاً لجريدة “لوموند” الفرنسية التي أشادت بمهارته في التوصل إلى اتفاق.
وبعد انتهاء مسلسل “البريكست”، حاول ميشيل بارنييه العودة إلى الساحة السياسية الفرنسية، متطلعاً إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2022، لكنه لم يتمكن من الفوز خلال الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين.
وخلال حملته للانتخابات التمهيدية آنذاك، وعد بارنييه بإجراء استفتاء حول الهجرة في حال وصوله إلى السلطة. وفي أيار من العام الماضي، أكد خلال مقابلة تلفزيونية، أنه يطمح إلى “تحرير فرنسا من القيود الأوروبية في مجال الهجرة”، وقال: “من الضروري أن نضع درعاً دستورياً يسمح لنا باتخاذ إجراءات تتجاوز تلك التي تمنعنا منها الأحكام الأوروبية”.
وكاد ميشيل بارنييه أن يصبح رئيساً للوزراء في سنة 2020، عندما كان إيمانويل ماكرون يبحث عن خلف لإدوارد فيليب خلال فترة أزمة كورونا، لكن بارنييه رفض العرض المقدّم من ماكرون الذي اشترط عليه مغادرة حزب الجمهوريين.
أما اليوم، فالسياق السياسي مختلف، وماكرون يسعى إلى تعيين شخصية من خارج معسكره لتقديم “التجديد” الذي ينادي به الفرنسيون. بالإضافة إلى ذلك، تنازل بارنييه عن طموحه في الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2027، وفقاً لما أوردته وسائل الإعلام المحلية.
مظاهرات ضد “انقلاب ماكرون” في فرنسا
ولكن هذا التعيين أثار غضب أحزاب اليسار التي حصلت على المركز الأول في الانتخابات الإقليمية الأخيرة، والتي تعتبر أن رئيس الوزراء يجب أن يكون من صفوف اليسار. لذلك نظم حزب “فرنسا الأبية” مظاهرات في جميع أنحاء فرنسا في 7 أيلول احتجاجاً على “انقلاب القوة” الذي قام به إيمانويل ماكرون، بعد يومين من تعيين ميشيل بارنييه في ماتينيون، والذي جاء بعد رفض اسم لوسي كاستيت، من اليسار.
وانضمت منظمات شبابية إلى حزب “فرنسا الأبية”، حيث خرجت مظاهرات في عدة مدن ومناطق في فرنسا ضد “انقلاب القوة” الذي نفّذه ماكرون. وقد أشار مانيس نادل، من اتحاد المدارس الثانوية إلى أنه تمّ تعيين رئيس الوزراء ضد التصويت الشعبي، ومن جهتها، ندّدت النائبة المتمردة أوريلي تروفي بـ”التحالف بين حزب الجبهة الوطنية واليمين والماكرونيين” وذكّرت بأن 80 نائباً رفعوا دعوى لإقالة رئيس الجمهورية.
وكان المنظمون قد أعلنوا عن “150 نقطة تعبئة في جميع أنحاء فرنسا”، بدءاً من باريس، حيث اجتمع الموكب في الساعة الثانية بعد الظهر في ساحة الباستيل قبل أن يتوجه إلى ساحة الأمة، وكان من المقرّر أن يشارك رئيس الحزب الشيوعي، فابيان روسيل، في حين ستشارك السكرتيرة الوطنية لعلماء البيئة، مارين تونديلييه، في العرض، وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن المراكز النقابية الكبرى لم تستجب للدعوة للتظاهر، بينما خطّطت أكبر منظمة نقابية يسارية، للتعبئة في الأول من تشرين الأول.
من جانبه، لم يقم الحزب الاشتراكي بنقل الدعوة للتظاهر، حتى لو كان بعض نشطائه المحليين يشاركون في التعبئة، وباستثناء حزب “فرنسا الأبية” لم يدعُ أي حزب للتظاهر في 7 أيلول.
وبحسب المراقبين، فإن الجبهة الشعبية الجديدة، التي فازت في الانتخابات التشريعية، بنوابها الـ193، ليست بكامل قوتها للاحتجاج على “إنكار الديمقراطية” و”انقلاب القوة” للرئيس ماكرون. وبعد إعلان الإليزيه عن اختيار ميشيل بارنييه كمستأجر جديد لماتينيون، والذي أعقب رفض اسم لوسي كاستيت، من اليسار، كان جان لوك ميلينشون زعيم حزب” فرنسا الأبية” أول من تحدث، واتهم ماكرون، مشيراً إلى اختيار إيمانويل ماكرون لعضو “في حزب كان الأخير في الانتخابات التشريعية” أن الرئيس أنكر رسمياً نتيجة الانتخابات التشريعية التي دعا إليها بنفسه. وفي بيان صحفي صادر عن الجبهة الشعبية الجديدة، أشارت أحزاب اليسار المتحالفة إلى “الازدراء التام” من رئيس الجمهورية.