دراساتصحيفة البعث

الصين شريك استراتيجي جذاب

ريا خوري

ما تقوم به الصين من بناء نظام عالمي لسلاسل توريد السيارات يرعب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين الذين بدؤوا يتساءلون علناً وفي معظم المحافل الاقتصادية الدولية ماذا نفعل بشأن الصين؟.

هذا السؤال بات يهيمن بلا شكّ على كل قضية جيوسياسية رئيسية تقريباً، من ملكية الأراضي الزراعية إلى التبادلات التجارية إلى شبه جزيرة تايوان، لكنه سؤال مرتبط بشكل خاص أيضاً بصناعة السيارات الأمريكية، وتحديداً سيارات تسلا الكهربائية.

هذه الصناعة تمرّ بمرحلة حرجة جداً في الولايات المتحدة، والتي أصبحت بمثابة المحور الذي تتقاطع فيه الاعتبارات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية الوطنية، وبات من غير اللائق بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أن تتواجد الصين عند هذا التقاطع أيضاً.

لقد أصبحت جمهورية الصين الشعبية لاعباً مهماً ورئيسياً في سلسلة القيمة العالمية للسيارات، وجعلتها قدراتها التصنيعية الهائلة، إلى جانب سوقها المحلية سريعة النمو وانتشارها الواسع في معظم دول العالم، شريكاً استراتيجياً جذاباً لشركات صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم، وهذا يمثل تحدياً مباشراً للولايات المتحدة لا لبس فيه، فكيف يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة، الحذرة من الصين، ألا تلقي بالاً للفوائد الاقتصادية الهائلة المترتَّبة على التعامل مع العملاق الآسيوي، وتحمي مصالحها الوطنية والإستراتيجية في الوقت نفسه.

لقد عملت صناعة السيارات في الولايات المتحدة مع الحكومات بشكلٍ وثيق لوضع قواعد وتشريعات وتعليمات واضحة جداً هدفها التعاون مع الصين لضمان بقاء الغرب الأمريكي- الأوروبي في طليعة الصناعات المتطورة، وضمان حالة الابتكار والاختراع. وفي هذا السياق، فإن حكومة الولايات المتحدة، وخاصة وزارة التجارة والاقتصاد، قامت وتقوم بدور حيوي تلعبه في هذا السياق، فمن خلال القوانين الناظمة والأوامر التنفيذية، مثل الأمر الصادر عام 2019 بشأن تأمين سلسلة توريد تكنولوجيا المعلومات والخدمات والاتصالات، يمكن للحكومة الأمريكية إنشاء إطار تنظيمي قانوني يعالج حالات القلق والخوف المحيطة بمشاركة الصين في سلسلة توريد السيارات، مع التأكيد على الحاجة الماسة إلى نهج دقيق ومرسوم للتنظيم.

لقد انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس العقوبات الواسعة النطاق على السلع الصينية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب خلال فترة ولايته، ففي حملتها الرئاسية وصفت هاريس سياسة ترامب في هذا الشأن بأنها ضريبة على الأميركيين العاديين، لأنها ترفع تكلفة السلع. ومع ذلك، تركت إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن الرسوم الجمركية التي فرضت في عهد الجمهوري ترامب كما هي إلى حدّ كبير منذ توليها إدارة البلاد قبل حوالي أربع سنوات. لكنها في الوقت ذاته علقت على استفزازات الصين في بحر الصين الجنوبي بالقول: “إنّ الصين تقوّض عناصر أساسية للنظام الدولي القائم على القواعد، وتحدّت حرية البحار، واستعرضت قوتها العسكرية والاقتصادية لإكراه وترهيب جيرانها”. ما يعني أنها مقتنعة بأنّ الصين تهدّد مصالح الولايات المتحدة، ومصالح الدول المحيطة بهذه المنطقة الساخنة، وتعتبر أنّ الولايات المتحدة ملزمة بتعزيز قوة الردع هناك.

حتى اليوم تحتلّ الحملات الانتخابية الرئاسية مساحة كبيرة للحديث عن الصين، وسلاسل التوريد، وتحديداً سلاسل توريد السيارات الكهربائية الصينية إلى الولايات المتحدة، فقد أشار ترامب إلى العلاقة مع الصين، وانتقد سجل بايدن وهاريس المتعلق بالصين، وجاء في أحد الإعلانات المموّلة من حملة ترامب بمنصة فيسبوك: “إن ترامب يحفظ عهوده التي من أهمها عدم السماح للصين باستغلال أميركا وجعلها كبش فداء”. كما قام تجمّع “حركة أميركا أولاً” المؤيد لـ ترامب بتمويل إعلانات تتهم هاريس وبايدن وعلاقتهما بالصين، وتحديداً فيما يتعلق بسلاسل التوريد في عدة ولايات متأرجحة، منها بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن. في المقابل شمل إعلان مموّل من حملة بايدن في وقتٍ سابق مقاطع لترامب يمتدح فيها الرئيس الصيني شي جين بينغ، ويشيد به وبإستراتيجيته لمواجهه فيروس كورونا.

لقد أدركت الولايات المتحدة حجم المخاطر التي تهدّد مستقبلها التجاري التي تغطي جميع جوانب تصنيع مركبات الطاقة الجديدة، لذلك يحتّم المنطق عليها البحث عن نهج جديد متوازن وتجنّب الإستراتيجية القاسية التي يمكن أن تخنق الابتكار والتطوير، وتعوق النمو الاقتصادي، وتجهد العلاقات مع الحلفاء الغربيين بالدرجة الأولى، وأن تمتلك الهيئات التنظيمية القدرة الكافية على استخدام الأدوات اللازمة بفعالية، وأن تضع لوائح تساعد على تخفيف المخاطر المحتملة مع السماح في الوقت نفسه بشراكات مفيدة لجميع الأطراف.