القصيدة في الغناء العربي.. هل تستعيد مكانتها؟
حلب ـ أسماء خيرو
خرجت المحاضرة التي ألقاها الموسيقار عبد الحليم حريري رئيس فرع حلب لنقابة الفنانين تحت عنوان “القصيدة الشعرية في الغناء العربي” في مقر فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب عن المألوف وذلك بتنقلها ما بين تقديم المعلومات النظرية والشواهد الغنائية العملية.
وانطلقت المحاضرة التي نظمها فرع الاتحاد بالتعاون مع مديرية الثقافة في حلب في مسارها الأول بحديث المايسترو حريري عن مفهوم الموسيقا والسلم الموسيقي بشكل عام، والقصيدة الشعرية كنمط لحني، والأنماط الشعرية الأدبية، وتطور الجملة الموسيقية عبر الزمن، وأنواع المقامات والطبقات الصوتية واللحنية، ورواد التلحين في العالم العربي الذين برعوا بالتعامل مع القصيدة الشعرية أمثال السنباطي وسلامة حجازي والقصبجي وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب، وكيف ساهم هؤلاء الملحنين بتخليد القصيدة الشعرية.
وبيّن حريري أن القصيدة الشعرية استخدمت بأكثر من طريقة في الغناء في العالم العربي ومدينة حلب اشتهرت بتلحين القصيدة المرتجلة والقصيدة الدينية وبمقامات عدّة وألحان مختلفة، وأوضح أن القصيدة الشعرية إن لم تكن متلائمة مع اللحن والبيئة لن يكتب لها النجاح وأن أكثر ما يميز مدينة حلب أنها برعت بتلحين القصيدة المرتجلة، وكان للراحل صباح فخري الذي برع في غناء القصيدة الملحنة غير الموقعة الفضل في ارتقائها وخلودها.
ورأى حريري أن الملحن الناجح هو من يمتلك الإحساس المرهف، والقصيدة من الصعوبة بمكان وصولها إلى الجمهور إن لم تلامس البيئة الحاضنة، لذلك يجب على الملحن أن يفهم الذائقة الفنية وبناءً عليها يقدم الألحان، مبيناً أن الملحن رياض السنباطي تفوق على الموسيقار محمد عبد الوهاب بتقديم الألحان التي لامست روح الجمهور لكونه ملك الحس المرهف بكلمات القصيدة الشعرية ليتفاعل معها ويقدمها على أنها رواية لا قصيدة شعرية فيما المايسترو عبد الوهاب ألحانه يغلب عليها التقنية الموسيقية أكثر من الإحساس المرهف.
وأوضح المايسترو حريري أن ملحن القصيدة الشعرية يجب أن يمتلك مخزوناً ثقافياً يستطيع من خلاله صنع جمل متكاملة مترابطة بمقامات مختلفة، مشيراً إلى أن الملحن القصبجي رائد من رواد التجديد في الألحان سبق عصره، فيما محمد عبد الوهاب كان من رواد دمج الموسيقا الشرقية بالغربية.
واشتمل المسار الثاني من المحاضرة على النماذج العملية التوضيحية للمعلومات النظرية، إذ قدم المطرب أحمد خيري وفرقته الموسيقية العديد من المقطوعات الغنائية لعظماء الفن العربي، من بينها “الأطلال” و”رباعيات الخيّام” و”عندما يأتي المساء” و”ربة الوجه الصبوحي”، فضلاً عن تلحين الأبيات الشعرية المرتجلة ومنها: آه يا قلبي المعنى.. كيف ضاع العمر منا.. ظلمة القبر قاب قوسين وأدنى.. فاعذريني لم يعد للحب معنى..
ولفت الموسيقار حريري إلى أن الموسيقا السورية توقفت عن تلحين القصيدة الشعرية والإنتاج والإبداع منذ أكثر من سبعين عاماً فيما تطورت في إنتاج الموسيقا الشعبية شكلاً وإيقاعاً لتتلاشى شيئاً فشيئاً الأغنية المرتكزة على القصيدة الشعرية التي فيها جملة لحنية، مضيفاً أن الأغنية الراقية تجمدت في مكانها ولم تتطور دائرتها ويوماً بعد يوم تضيق إلى حد يستدعي إطلاق إنذار الخطر، حيث وصل المجتمع في أيامنا الحالية إلى اعتبار الكلام العادي أغنية، وتالياً الساحة الفنية تشهد البروز المتنامي للأغنية الهابطة واضمحلال الأغنية الراقية،وذلك نتيجة التغير الكبير في الذائقة الفنية.
وعزا الموسيقار حريري العزوف عن الاعتماد على القصيدة الشعرية في الأغنية الشرقية في وقتنا الحاضر إلى اختلاف الزمن وتطوره، مبيناً أن الجملة الموسيقية دائماً في حالة تطور وتلاؤم مع الزمن والاختراعات الحديثة، إذ إنها كانت كلما ظهر اختراع حديث تطورت معه، لذلك نلاحظ في القرن العشرين بدأ الغناء بالقصيدة الطويلة، وعندما اختُرعت الأسطوانة تطورت الجملة الموسيقية إلى الدور والأغاني الكوبلية، وعندما اختُرع الكاسيت قصرت الأغنية، وهكذا حدث مع اختراع “السي دي” والإنترنت.
وبسؤالنا: هل من الممكن للقصيدة العربية استعادة مكانتها عند الجمهور كما كانت منذ عقود خلت؟ أجاب الحريري: “نعم وبكل تأكيد، بشرط أن تُغنى من قبل نجوم ومشاهير الفن العربي أمثال كاظم الساهر، وشادي جميل، ومصطفى هلال، فالنجومية عامل مهم جداً في تقبل الجمهور والاستماع إلى القصيدة الشعرية من جديد.