دراساتصحيفة البعث

الانتخابات الأميركية والرهان على جيل جديد

د. خلف المفتاح

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن الانتخابات الأميركية هو لجهة تأثير نتائجها علينا بوصفنا أبناء منطقة تعاني من السياسات الأميركية، سيما وأن ثمة صراع قائم حالياً، وإن كانت جغرافيته في غزة، ولكن نتائجه وتداعياته ستؤثر على المنطقة العربية والإقليم، بل والعالم لجهة طبيعة الاشتباك القائم واستطالاته وأطرافه المباشرة وغير المباشرة، واصطفافاتها على ساحات الصراع وحوامله وروافعه الأساسية.

والحقيقة يبدو الخيار الاستراتيجي لدي الكيان الصهيوني اليوم هو تهجير الفلسطينيين من كامل التراب الفلسطيني بحكم ما جرى في معركة طوفان الأقصى وتداعياتها، فـ “إسرائيل” لا تريد إنهاء الاحتلال وترفض قيام دولة فلسطينية إلى درجة أن نتنياهو صرح قبل شهرين بأن قيام دولة فلسطينية هو مكافأة للإرهاب فهو لا يريد دولة فلسطينية ولا أغلبية فلسطينية، لأن المناطق التي تسيطر عليها “إسرائيل” يشكل الفلسطينيون فيها أغلبية إذ هنالك حوالي 7،400000 فلسطيني مقابل7،200000 إسرائيلي آخذاً بعين الاعتبار أن هنالك فلسطينيون يحملون الهوية الإسرائيلية، إضافة إلى أن هناك أكثر من 400000 إسرائيلي هم من الاتحاد السوفييتي السابق وهم ليسوا يهوداً، فثمة أغلبية فلسطينية حقيقية.

من هنا كانت السياسية الإسرائيلية لا تريد الدولة ولا الديمقراطية فليس أمامها سوى تهجير الفلسطينيين والتهويد، ومن هنا لابد قراءة الأمور من هذه الزاوية في كل ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من سياسات وإجراءات، آخذاً في الاعتبار أن الأغلبية الفلسطينية أغلبية متزايدة، حيث يبلغ متوسط الولادات والإنجاب عند المرأة الفلسطينية أربعة أطفال، بينما هي عند الإسرائيلية ثلاثة فقط.

من هنا يصبح الحديث عن وقف إطلاق النار حديث لا معنى له، فـ “إسرائيل” ونتنياهو وفق ذلك التفكير  ليس لهم مصلحة في ذلك فهذا يعني بالنسبة لنتنياهو نهاية حياته السياسية ومحاكمته، فالتفاؤل بوقف إطلاق النار يأتي من الجانب الأميركي فقط،  ليس من الجانب الفلسطيني ولا الإسرائيلي، فالمسألة مرتبطة بغايات انتخابية أمريكية لإعطاء انطباع بأنهم جادون بالوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

وبالنسبة لنتنياهو المطلوب استعادة الأسرى ثم يعاود الحرب على المقاومة، من هنا يصبح من غير المنطقي أن تقبل المقاومة صفقة التبادل دون وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب من غزة، لذلك كل ما يجري ليس له علاقة بالواقع، لذلك من الآن وحتى إجراء الانتخابات الأميركية لن تكون ثمة إمكانية حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار، فلا يوجد مؤشر حقيقي على ذلك إلا في إطار الاستحالة أو تحول بنيوي في الصراع القائم .

أما فيما تعلق بالانتخابات الأميركية ثمة شعور بأن لا فرق بين أي من الحزبين فيما تعلق بالمنطقة، فماذا عمل بايدن أو من سبقه ما يخلق شعوراً عند الكثيرين بعدم الاهتمام بالنتائج أياً من سيسكن البيت الأبيض، ولكن ثمة من يختلف مع هذا الانطباع ليس لأنه إن آتت هاريس ستحل القضية الفلسطينية، علماً أنها مختلفة بعض الشيء عن بايدن، مع أن أمريكا لن تغير سياستها جذرياً تجاه إسرائيل، ولكن المطلوب هو الاشتغال على المستقبل وليس على أسماء كـ بايدن أو ترامب أو هاريس، واعتقد أن المستقبل في الحزب الديمقراطي يمكن الرهان والاشتغال عليه، لأن الجيل الشبابي من الحزب الديمقراطي في أكثريته غير راض عما يجري في الأراضي المحتلة، وهذا الجيل يمكن العمل معه والبناء عليه ولا نبقى متفرجين ونتوقع من الولايات المتحدة أن تتغير من دون أن نكون فاعلين في المشهد الأميركي .

إن الحديث عن تحول كبير في السياسة الأميركية تجاه “إسرائيل”  لن يحصل في المدى المنظور، ولكن كما أسلفنا يمكن الاستثمار في الحضور العربي والمسلم في الانتخابات الأميركية في المستقبل، بحيث يشعر أي مرشح للرئاسة الأميركية أن الصوت العربي والمسلم ليس تحصيل حاصل، وإنما له دور في ترجيح كفة هذا المرشح أو ذاك أو على الأقل أنه صوت مؤثر ويؤخذ بعين الاعتبار، ولاشك أن الوضع الانتخابي بدأ يتغير جزئياً فـ بايدن لم ينجح في تحريك الرأي الشبابي وبشكل عام الشباب في غالبيتهم لا يشاركون في الانتخابات الأميركية، لأنهم غير معجبين بكل نظام الانتخابات، وربما أوباما نجح في تحشيدهم في المرة الأولى لانتخابه، والمقصود شباب الحزب الديمقراطي.

وراهناً استطاعت هاريس تحريض الشباب للمشاركة في الانتخابات من خلال استطلاعات الرأي العام الخاصة بشريحتهم، مع الإشارة إلى أن هاريس أعطت رسالة ايجابية للشباب العربي والمسلم ومناصريهم عندما لم تحضر خطاب نتنياهو في الكونغرس، وتحدثت عن ضرورة وقف الحرب  في غزة،  وضرورة حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية، إضافة إلى أنها في مؤتمر ترشيحها للرئاسة تحدثت لأول مرة عن حقوق للشعب، وهذه سابقة في الخطاب الانتخابي الأميركي لم يسبقها إليها أحد، لذلك نعتقد أن الصوت العربي والمسلم والمهاجر سينتخبها، وإن كان ليس بشكل كامل ونهائي .

ولو فرضنا أن هاريس قد نجحت، ما هو المأمول أن تقوم به بالنسبة للقصية الفلسطينية سواء انتهت حرب غزة أم لم تنتهي، وما هو التصور لما بعد الحرب؟

وهنا نعود لما فعلته أميركا بعد حرب الخليج الأولى وهو مؤتمر مدريد للسلام، فما هو الممكن أميركياً بعد حرب غزة، لو افترضنا أنها ستقدم شيء ما، هل ستقدم عملية سلام جديدة تأخذ المنطقة لثلاثين سنة قادمة كما فعلت مدريد وأوسلو ولا تنتهي إلى شيء ؟ أم أنها ستتحدث عن عملية سلام تفاوضية محددة مع خريطة طريق واضحة تنتهي بإقامة دولة فلسطينية أو مسار واضح مع خطوات تؤدي إلى انتهاء الاحتلال الإسرائيلي، علماً أن هذه الفرضية لا حظ لها من النجاح في ظل وجود حكومة متطرفة ورافضة لفكرة قيام دولة فلسطينية. أما إذا جاء ترامب فلا حديث سوى عن صفقة القرن والاتحاد الإبراهيمي والسلام الاقتصادي ولاشيء عن دولة فلسطينية، بل وربما دعم لضم الضفة الغربية للكيان الصهيوني .

إن خلاصة ما نريد التوصل إليه أنه مع الأسف لا يوجد رأي عربي موحد حول القصية الفلسطينية، فالعرب في أكثريتهم ونقصد النظام الرسمي العربي غير راغبين وغير قادرين على القيام بمبادرة في هذا الاتجاه، وهذا يعني أنه في المدى القصير سواء كان الجالس في البيت الأبيض ترامب أو هاريس لا يوجد أفق سياسي ولا عملية سياسية جادة تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وهل هناك في العالم كله من يقوم بذلك في ظل موازين القوى الدولية؟

والجواب باعتقادنا لا، صحيح أن هناك دعوات ومواقف من قوى كبرى، ولكنها غير قادرة على فرض رؤيتها لعملية سلام جادة تنصف الشعب الفلسطيني، وتعيد إليه حقوقه المنصوص عليها في الشرعية الدولية، والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة منذ أكثر من 77 عاماً، لذلك يبدو السيناريو الأكثر واقعية هو  خيار المقاومة المسلحة والتمسك بالأرض والعامل الديمغرافي  وتغير في موازين القوى الدولية يصب في صالح القضية  الفلسطينية مع استمرار عزلة الكيان الصهيوني.