بعد دورتي الهند وغرب آسيا.. هل ستسير كرتنا على الطريق الصحيح؟
ناصر النجار
الأسبوع الماضي حمل لجماهير كرتنا وعشاق منتخباتنا الوطنية بعض التباشير بآمال قادمة لتصحيح مسيرة كرتنا التي سارت في السابق خبط عشواء، فلم تحقق النتائج الجيدة ولم تقدم الأداء المقنع، وهذا يخص كل منتخباتنا على حد سواء دون تمييز بين أحد.
بالأمس حققنا دورة الهند الدولية، والمحللون كانوا على جبهتين: جبهة قللت من هذا الانجاز، وجبهة هللت له، دون أن يكون لدى الجبهتين أي دليل على ما ذهبت إليه، فمن قلل من حجم الإنجاز اعتبر الدورة ودية والمنتخبين اللذين لعبنا معهما هما دون منتخبنا في المستوى والتصنيف، أما اللذين هللوا لما تحقق واعتبروه إنجازاً فكان نابعا من محبتهم لكرتنا، وتعلقهم بالأمل الذي يمكن البناء عليه كثيراً في قادم الأيام.
لكن المؤشرات كانت أكثر من إيجابية بعيداً من مستوى الفرق ونتائج المنتخب، ولعلنا نقول إن عدم تأهلنا للدور النهائي من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم كان خيراً على كرتنا، لأن منتخبنا لو تأهل لبقي كوبر مسيطراً على كرتنا ومهيمناً عليها، ولبقينا نعيش في دوامة اللعب الدفاعي وتكبيل لاعبينا بعدم منحهم الحرية لإظهار موهبتهم وشهيتهم الهجومية، ونحن لا ننكر أن كوبر مدرب عالمي وله تاريخه لكنه لم يحقق لكرتنا أي شيء، فأسلوبه لم يتناسب مع أسلوب لاعبينا، ونجح فقط على الصعيد الدفاعي، ويمكن للقائمين على المنتخب أن يتحدثوا (لو أتيح لهم) عن الكثير من السلبيات التي رافقت مسيرة المنتخب مع كوبر، فمقاليد الأمور كانت بيد المدرب المصري المساعد الذي عمل مترجماً لكوبر، وربما من خلال الترجمة والتفاهم كان يتدخل في التشكيلة واختيار اللاعبين، ومن هنا كان الكثير من المراقبين يستغربون بعض الأسماء الموجودة في المنتخب، ويستغربون أيضاً إبعاد مجموعة أخرى من اللاعبين خارج المنتخب، وفي النهاية يمكن القول إن المدرب المصري كان يتحكم بكل شؤون منتخبنا، وللأسف لم ينجح لا هو ولا كوبر ولا طاقمهما، ولعلنا نستغرب من مدرب الحراس الشهير عدم اكتشافه للحارسين اللذين اختبرهما خوسية في مباراتي دورة الهند، فهل كان هناك وراء الأكمة ما وراءها؟
حتى الآن، لا ندرك حقيقة مستوى كل من رشحهم كوبر من اللاعبين من الأرجنتين ومن غيرها، وللأسف نقولها بعض هؤلاء لم يقنع مطلقاً، ولا يمكننا الحكم عليهم من خلال مرحلة كوبر، فربما كان أسلوب كوبر لا يتناسب مع قدراتهم، وبالتالي لم يستطع توظيف إمكانياتهم في المكان الصحيح أو في خدمة المنتخب كمجموعة، لذلك ننتظر اختبارهم من المدرب الجديد لنتعرف على إمكانياتهم الحقيقية، وإن لم يستدع البعض منهم مستقبلاً فهذا يدل على أنه لا رجاء من وجود هؤلاء مع المنتخب.
في عملية اختيار اللاعبين، وجدنا المدرب الاسباني أعاد استدعاء بعض اللاعبين ورأينا كيف انسجموا سريعاً مع أسلوب المدرب ونهجه، وربما وجد محمود المواس ضالته في مدرب يعشق اللعب الهجومي، وكذلك كان علاء الدين الدالي جيداً لولا أنانيته المفرطة وإضاعته للفرص السهلة، وهذا قد يكون له حل مستقبلاً إن اقتنع المدرب أنه بالإمكان إصلاح هذه الثغرات، وشاهدنا محمد عثمان يلعب بأناقة، لكن وجدنا أنه لم ينسجم مع اللاعبين بسرعة ولعل سبب ذلك هو الغياب الطويل عن المنتخب، ولا شك أن هذا الانسجام له عوامل نفسية كثيرة.
عندما نشير إلى بعض الأسماء فإنه من باب الأمثلة ليس إلا ولا نؤكد عليها، ومع إشادة المدرب الإسباني بخط دفاعنا وقد وصفه بالأفضل بين خطوط الدفاع والأكثر تنظيماً، إلا أن هذا الوصف يتعارض مع مبادئه التي تعتمد على لاعبين أقل سناً وأكثر شباباً، وهذا هو الفرق بين خوسية وكوبر، لأن كوبر اعتمد في نهجه على أصحاب الخبرة، وسبق أن قال: هؤلاء الذين استوعبوا أسلوبي، وهذا التصريح كان له قبل انطلاق تصفيات كأس العالم عندما سُئل عن خياراته، ولكن ليست المشكلة في وجود أربعة مدافعين جيدين، إنما المشكلة تكمن بالبديل الجاهز المماثل مستوى، فعندما غاب أيهم أوسو للإصابة لم يملك كوبر البديل المناسب فظهرت العيوب والثغرات في خط الدفاع كله!
ونحن هنا لا نؤكد أن أوسو كان رابط الخط وهو كل شيء في خط الدفاع، بل نؤكد أن سلامة الخط وجودته تكمن في تكامل عناصره ووجود أكثر من ثمانية مدافعين جيدين بمختلف المراكز إضافة للاعبي الارتكاز المتميزين.
دورة الهند كانت المحطة الأولى للمدرب الجديد، وفيها اختبر اثنين وعشرين لاعباً، باستثناء الحارس أحمد مدنية وعلى ما يبدو أنه مطلع على مستوى المدنية تماماً من خلال مراقبته في المباريات السابقة بوصفه الحارس الأساسي زمن كوبر، ومن حقه أن يطلع على مستوى الحارسين الأخيرين ليختار من يريد، وربما لاحقاً جرب أكثر من حارس بعد أن يطلع على حراسنا سواء في المنتخبات الأخرى أو في الأندية.
من المتوقع أن يكون قد اجتمع المدرب الإسباني مع طاقمه لدراسة المشاركة في دورة الهند، ومن الطبيعي أن يكون قد تابع المباراة النهائية لمنتخبنا الصغير في نهائي بطولة غرب آسيا، وحتماً تابع بعض المباريات في دورة الوفاء والولاء وخصوصاً منتخب الشباب، هذه كلها من صميم عمله المفترض، فأسلوبه الذي أعلن عنه هو الإشراف على المنتخبات الوطنية من خلال الدائرة الفنية، وخطته المستقبلية ستعتمد على اللاعبين الذين هم أقل من ثلاثين سنة ولا يمنع من الاعتماد على بعض أصحاب الخبرة في بعض المراكز وصولاً إلى منتخب واعد يخدم كرتنا في السنوات المقبلة.
حسب المتابعة الحثيثة لكرتنا سواء في المنتخبات أو الأندية نجد أن كرتنا مملوءة بالمواهب والخامات ولا تنتظر إلى من يبعثها ويطلقها ويصقل موهبتها.
في الكلام المفيد نجد أن الكثير من الدول باتت تنظر إلى لاعبيها المغتربين لتقوي منتخباتها الوطنية باعتبار أن اللاعبين المغتربين الأكثر خبرة ومهارة لأنهم تدربوا على يد أفضل المدربين وخاضوا التجارب الاحترافية الحقيقية، ومن هذه الدول كانت إندونيسيا التي حققت قفزة في عالم كرة القدم، أيضاً منتخبنا سار على هذا الدرب وإن لم يحصد مبدئياً النتائج الجيدة فربما كان حصاده قريباً، لكن الفكرة الأهم أن تصبح بلدنا مصدرة للمواهب لا مستوردة لها، فالخزان البشري في أنديتنا يحتاج إلى الدعم والمتابعة والصقل ليكون الرافد الحقيقي لكرتنا، ولا ينبغي أن نعتمد على المدرب الاسباني وخطته طويلة الأمد فقط، فالإسباني قد يرحل بأي وقت، وعلينا الاعتماد على قواعدنا في الأندية، وهذه مسؤولية أنديتنا جمعاء، وعلينا أن نتذكر أن يداً واحدة لا تصفق وأن المنتخبات هي نتاج عمل الأندية وهذا ما يجب التأكيد عليه، فعندما يرتفع منسوب العمل في الأندية سيرتفع مستوى الدوري بكل الفئات وهذا سينعكس بالمجمل على واقع كرتنا.
اتحاد كرة القدم ليس وحده مسؤولاً عن الفشل وعن النجاح، فالمسؤولية جماعية، وعلينا جميعاً أن نسعى نحو آفاق كروية أكثر نهضة وتطوراً وألقاً.