ثقافةصحيفة البعث

“طوفان الأقصى” يوحّد كلمة القصيد العربي

نجوى صليبه

كان لمعركة “طوفان الأقصى” ـ أو حرب 7 أكتوبر 2023 ـ وقعها على الشّعراء العرب، إذ تسابقوا إلى نظم القصائد تنديداً بجرائم الاحتلال الصّهيوني ومجازره بحقّ الشّعب الفلسطيني، ورثاءً للشّهداء ومدحاً للبطولات ودعماً وتفاؤلاً بنصر قريب، ففي مجموعته الشّعرية الأخيرة “صهيل في مرابع الدم”، يتناول الشّاعر السّوري فرحان الخطيب مواضيع تحاكي “طوفان الأقصى”، إرساءً لمفهوم المقاومة والكفاح في سيرورة الشعر العربي.

“من غزة إلى الشاعرة فدوى طوقان” و”من غزّة إلى الشاعر محمود درويش” و”من غزّة إلى أمي الشهيدة” و”القدس” و”طوفان الأقصى” عناوين بعض القصائد الواردة في المجموعة، وأمّا العنوان الأخير فيدلل على مضمون القصيدة كما يدلل على موقف الخطيب من مجازر الاحتلال الصّهيونية بحق أطفال غزّة وأهلها.

الأديب عبد الفتّاح إدريس وتحت عنوان “أسقط في يدي..؟!. تراويد فلسطينية”، بيّن كيف يخرج الشّباب الفلسطيني من منزله، من دون أن يودّع أسرته، ويذهب للقاء رفاق السّلاح، فيستشهد ويعود محمّلاً على الأكتاف، ومنها نختار:

يا ميمتي راح المسا يسهر مع أصحابه

ضمني بصدره بعتم الليل رايح لأحبابه

شقشق عمود الصبح ما رجع بعد الليل

جابوا عند الضحى مشيول فوق الخيل

يا يما لا تحزني مكتوب علينا الضيم

دموعك أسى وفراق وهموم تليانه

لا أَستكين..!!

ولديَّ نخوة عاشقٍ تهفو بوسْعِ الكون؛

أَمدُّ يدي..!؟ مغْلُولةً..!!؟

وتمورُ عُتْقاً للفراغ.. وللسكون

يا ابن أُمِّي.. يا أخي؟؟

ماذا تُقدّمُ دمعةٌ حيرى؟!!

أَتجاملُ لهفةَ جائعٍ يَطوي؟؟!

أو نازفٍ يَحصي دقائِقَ موتِه؟

ولأنّ الشّعر وكما يقول كثير من النّقاد هو الشّكل التّعبيري الأقرب إلى ذائقة الموريتانيين، تنطّح كثير من الشّعراء الموريتانيين للدّفاع عن القضية الفلسطينية والتّنديد بمجازر الاحتلال، ومنهم الشّاعر الدكتور أدي ولد آدب وقصيدته “ملحمة طوفان الأقصى”، وفيها يبيّن كيف انكسرت شوكة الاحتلال الصّهيوني في “7 أكتوبر” أمام إرادة وصمود المقاوم الفلسطيني، يقول:

تفاعل الغضبُ الغَزِّيُّ.. مذْ أَمدٍ

وحينما بلغ “الأقصى” انتهى الأمدُ

ففارَ “تَنُّورُ” “طوفان” الفدى.. مدداً

من قلب غزَّة: يا “أقصى”.. لك المددُ!

إلى قوله:

قدْ صبّحوا الشَّبح المنْفوخ من زبدٍ

أسطورةُ الرعب ذابتْ.. إنَّهُ الزَّبَدُ!

طوفان مسجدنا الأقصى.. به انجرفتْ

هزائم الروح.. واستقوى به الجسد

ومثله أيضاً، تفاعل الشّاعر الموريتاني المرابط ولد الدياه مع “طوفان الأقصى”، فنظم يشدّ على أيدي المقاومين الفلسطينيين وردّهم على مجازر وجرائم الاحتلال الذي تحطّم جبروته، يقول:

جرَّت كتائب عز الدين في الطّين      في عز تشرينَ إخوانَ الشّياطين

وحطمت جبروت الظّلم وانتزعت   في غفلة الدّهر أوهام الأساطين

قتلاً وأسراً إذا بالموت صبّحهمْ      ومرِّغت منهمِ الأجسام في الطّين

الغرقد اليوم يأبى أن يخبِّئهمْ         من خلفه فتواروا خلف يقطين

كأن عهد صلاح الدّين عاد وقد      أضحت فلسطين حطيناً بحطين

إنّ الزّمان الذي قد كان يمنعني     قالت فلسطين أضحى اليوم يعطيني

قد وطَّنوا بفلسطينٍ نفوسَهمُ        واستوطنوا بعد تهجير وتوطين

فالويل للظّالمين الغاشمين إذاً      والعزّ والنّصر لشعب فلسطين

نعم لقد شفت معركة “7 أكتوبر” غليل الشّرفاء في الوطن العربي، ومنهم الشّاعر اليمني سامي العياش الزكري، يقول في قصيدته “طوفان الأقصى”:

طوفان أقصنا أسرّ خواطري وشفي الغليل من العدو الماكرِ

دهس العدو بنعله ومشى على         أشلائه طوفانُ بحرٍ. زاخرٍ

كم سرني هذا وكم طربت لهُ   نفسي وكم هتفت بذاك حناجري

فجرٌ يشعشع من نوافذه لنا    ضوءاً تتوقُ له شموسُ هواجري

ويتمنى الزكرى لو كان بإمكانهم مرافقة المقاومين في معاركهم، يحمل بندقيته ويقاتل إلى جانبهم، يقول:

يا ليتني في صفهم متقدماً     نحو العدو ببندقي وذخائري

إمّا نشردهم ونحصدُ جمعهم  حصدَ السنابلِ بالشريم الباتر

أو نلتحفْ بالموت أكفاناً لنا  حُلماً لندفنَ في التراب الطاهرِ

أيضاً وتحت العنوان ذاته “طوفان الأقصى”، يشحذ الشاعر العراقي حميد حلمي البغدادي همم الأبطال ـ ولو أنّهم ليسوا بحاجة إلى ذلك ـ لكن كلّ يحارب بسلاحه، والكلمة سلاح والشّعر سلاح، والفخر هنا سلاح، يقول:

يا غزة اشتدي على الأعداء

وتحزمي بالمجد والعلياء

يا غزة الأبطال أعلام الفدا

صبراً فإن الفتح للأصلاء

طوفان أبناك الأباة علامة

لمسيرة لن تنكفي لوراء

فجهادهم يأبى الخنوع وعندهم

نيل المنون غنيمة النجباء

فثرى فلسطين السليبة نهضة

تفضي إلى التحرير والإجلاء

ويل لمن خان الأمانة وارتضى

حكم اليهود وسطوة الدخلاء

يحيا بنو الأقصى وغزة إنهم

أمل لكل عزيمة وإباء

أسابيع قليلة ويكون قد مضى عام كامل على “طوفان الأقصى” أو “معركة 7 أكتوبر”، كانت الكلمة خلال هذه الفترة سلاحاً مهمّاً بيد الأدباء لنصرة الحقّ الفلسطيني، وتوثيق البطولات والتّحضات التي قدّمها أطفال ونساء ورجال وشباب فلسطين في مواجهة العدوّ الصّهيوني الذي يستخدم كلّ أساليبه وأدواته وأسلحته المتطوّرة ليرتكب أفظع المجازر والجرائم.