حسن كتوب: أهيب بالشعراء توثيق مآثر شهدائنا لكي لا ننساهم
حمص ـ عبد الحكيم مرزوق
قصة حسن أحمد كتوب مع الشعر ونظمه، تدفعنا إلى الدخول في عوالم هذا الشاعر الذي اختار أن يكون من حماة الديار، وفي حديثنا معه أخبرنا بداية كيف وجد نفسه في عالم الشعر: “يمكن أن تقول إني وشعري وليدا الصدفة، فأنا بدأت نظم الشعر بلا مقدمات أو تحضير أو تخطيط أو قواعد، وأقصد هنا قواعد وضوابط الفراهيدي وبحوره وأوزانه، فقد اعتمدت على أذني الموسيقية التي طالما طربت لصوت والدي وهو يقرأ لنا بعض أشعاره أو يطلب منا أن نقرأها على سمع، لأنني أظن أنه مثلي كتب على موسيقا الشعر فقط، وهذا ظن غير مؤكد، لكن بالنتيجة استطاع علي أحمد كتوب أن يكتب آلاف أبيات الشعر التي تمخض عنها ديوان من جزأين بالقطع الكبير”.
ويضيف كتوب: “جاءت فترة الحرب الكونية على سورية، فبوأني عملي كمدير لمراسم تشييع الشهداء سدة الحديث والخطابة في تشييعهم وحفلات تأبينهم فانطلق لساني وأورق بياني فاخضوضر بياني، وكان للبيئة المحيطة دور في اتجاهي نحو الشعر، فبعد والدي احتضنت أختي الكبيرة مريم موهبتي ونمتها ورعتها حتى اكتملت على ما هي عليه، وبيتنا وأخوتي جلهم متأثرون بوالدي وبيئتنا، لذلك غالبيتهم ميالون للأدب والشعر ولكن كل بمقدار، فمنهم من يستسيغ ومنهم من يصيغ”.
ورداً على سؤال فيما إذا كانت كتابة القصائد الوطنية الوجدانية التي تتغنى بحب الوطن بسبب كونه كان ضابطاً في الجيش العربي السوري، أجاب: “حب الوطن من الإيمان، وهذا الحب تبلور حقيقة عندما انتسبت للجيش العربي السوري، وتشربت الرجولة والعنفوان والوطنية والشرف والإخلاص، وطبيعي لمن يحب أمراً أن يتغزل به، وهذا كان حالي مع معشوقتي البندقية التي كنت أتنشق عطر بارودها فأجده أشذى من العطور الباريسية، ودبابتي التي اختصصت بها وأنا ضابط في سلاح المدرعات، فقد كان صهيل جنزيرها أجمل بكثير من ضحكة أول فتاة أحببتها في حيّنا في مدينتي الدريكيش الجميلة الوادعة الغافية، على كتف الجمال وفوق غدير مياهها المعدنية التي يقصدها الناس للارتواء والشفاء، لذلك قلت في دبابتي:
دبابتي فخر السلاح لأنها
كالشمس في ليل المعارك تسطعُ
تهوى منازلة الخطوب لأنها
لا ترتوي من نصرها أو تشبعُ
فسلاحنا ليس القويّ بذاته
نحن السلاح وعزمه والمصنعُ.
ورداً على سؤال فيما إذا كان الشعر العمودي الموزون قد أبعده عن الشعر الذي لا يتقيد بالبحور الخليلية؟ قال: “في الحقيقة أنني تطاولت على الشعر بمختلف مسمياته فكتبت العمودي ببحوره المتعددة، لكن على غير هدى كما أسلفت، فأنا أكتب القصيدة من دون دراية ببحرها والبيت الأول الذي يفتح الباب للولوج إليها هو الذي يتحمل مسؤولية البحر الذي كتبت عليه وليس أنا، وبالمناسبة، إذا ما نادمني بعض الشعراء وأرسل إليّ أبياتاً فإنني أجيبه على ذات البحر وذات القافية من دون أدنى تكلف، لكن من دون سابق معرفة بالبحر، إنما بموسيقاه، وقد خضت تجربة التفعيلة مرتين ولم تستهويني هذه التجربة، أما الشعر المحكي والزجل فقاربته بكل أنواعه اعتماداً على موسيقاه أيضاً، كذلك الخواطر والشعر النثري، وكتبت قصتين قصيرتين لكنهما في طيات أوراقي، وفي مجال الأغنية لدي رصيد لا بأس به من الأغنيات الوطنية والشعبية والغزلية التي تنتظر حنجرة تستحقها”.
وفيما إذا كان يعتقد أن الحب هو الرابط بين الوطن والمرأة؟ أوضح أن “الوطن أم، والأم هي التجلي الأعمق للمرأة، لأنها مصدر الخير ونبع الأمومة وإكسير الحياة، وهذه الأم، في المقلب الآخر تكون زوجة وشقيقة وحبيبة، وتالياً هي تملأ حياتنا من كل الجوانب ونتعلق بها في كل الجوانب، كذلك الوطن هو مسقط الرأس، ومنعش الروح، وأكسجين الدم، لذلك نقول لمن يخون أمه ووطنه إن دمه فاسد، وتالياً فشعري الغزلي إن كان للمرأة أم للوطن، أصنفه صالحاً وعلى الجمهور أن يقيمه إن كان ناجحاً أم لا”.
وبسؤاله عمّا إذا كان يرى أن كتاباته الشعرية عن شهداء تلبية لعمله الوظيفي لكونه كان مديراً لمراسم تشييع الشهداء ومسؤول ملف الجرحى؟ أجاب: “في جانب من ذلك نعم، فمن الطبيعي أن تتأثر بهذا الكم من العواطف الجياشة لعائلات شهدائنا وهم يستقبلون أجساد أو رفاة فلذات أكبادهم، فهذا الأمر يُنطق الحجر، فكيف بالبشر، وهناك بعض الحالات التي لامستني حقيقة في الصميم فكتبت عنها، لإطفاء جذوة الحريق وللتدوين والتوثيق، فقد رثيت ابن أختي الشهيد حسن أحمد محمد الذي ارتقى في٢٠١٢/٨/٢٠ صبيحة عيد الفطر وبذات يوم ميلادي، وأذكر كلام أختي ومعلمتي مريم “أم وسام” عندما قالت: “حسن لم يجد أغلى من روحه ليهديها عيدية لسورية صبيحة العيد ولخاله العميد حسن في يوم ميلاده، فكتبت له قصيدة “الوسامان” وختمتها بالقول:
ووسام لم يبق وساماً واحداً
أهديتنا الثاني بفعلك يا حسن
كذلك مرثية صديقي الدكتور راكان الجاني الذي كان طبيب الجرحى ضمن فريقي “بلسمة الجراح”، والشهيد خليل الحلو الذي استشهد وهو يمسك بتلابيب الإرهابي لمنعه من تفجير نفسه بحي الزهراء فارتقى فداءً عنا، والشهيد بلال بلال بطل أنفاق حرستا، والشهيد فايز حديد الذي استشهد أول رمضان وأكمل صومه على الرمال حتى جاءنا صبيحة عبد الفطر وغيرهم، وآخرهم مرثية الشهيد خالد الأسعد شهيد التاريخ والجغرافيا في ذكرى استشهاده التاسعة، وأنا أهيب بكل الشعراء توثيق مآثر شهدائنا لكي لا ننساهم”.
ويضيف كتوب: “الجندي هو أكبر العاشقين وأصدقهم لذلك كتبت الوطني والغزلي بغزارة، ولم أبتعد عن الوجدانيات، وعلى الشاعر أن يكون قريباً من هموم الناس فيكتب ما يفرحهم وما يفرج عنهم ويشكو مثل ما يشكون ويبكي كما يبكون، لأنه صاحب حساسية عالية، تتجلى شعوراً فيسكبها شعراً”.
وعن عضويته في اتحاد الكتاب العرب، قال: “في الحقيقة أصدرت مجموعتين شعريتين بموافقة اتحاد الكتاب العرب، ما يؤهلني للتقدم لشرف عضويته، والتقصير مني، فأنا لم أتقدم بطلبي حتى الآن، لكنني في طور ذلك وأتمنى نيل هذا الشرف، وإن كنت أجده مسؤولية كبيرة ما أزال أتهيبها”.
وعن رأيه بشعر اليوم، قال: “هناك أقلام تشدك من أذنيك، وأقلام تشنّف لها أذنيك، ورحم الله من شنّفني، وسامح الله من عنّفني، وفي المجمل الشعر بخير وإن كان مريدوه ليسوا بذات المستوى”، مضيفاً: “التجارب الشعرية الشابة أكثر من رائعة ومبشرة، وفي حمص بالذات أقلام شابة تعطينا الأمل والتفاؤل، مثل الشاعر أحمد الباشا والشاعر الطبيب مجد والشاعرة ريناز جحواني أكبر دليل، وأنا متفائل بهم، وأراهم باتجاه العالمية، نظراً لصغر سنهم وحداثة تجربتهم”.
وفي ختام حديثنا قال الشاعر حسن كتوب: “عملت على موضوع لأميّز نفسي بين الشعراء بحمص، وهو الرسم بالكلمات أو قراءة الصور، ونفذت ثلاث أمسيات ناجحة تعتمد على عرض صورة معينة بواسطة جهاز إسقاط ومن ثم القراءة الشعرية لها، فيتولد هناك ربط سمعي بصري شعري بيننا وبين الجمهور وهذا أمر جميل ومحفز لاستفزاز القراءات المتعددة كل من زاويته”.