دراساتصحيفة البعث

في يومها الدولي .. الديمقراطية الغربية زائفة

د.معن منيف سليمان

أعلنت الأمم المتحدة أن يوم الخامس عشر من أيلول من كل عام هو يوم دولي للديمقراطية، ودعت الدول الأعضاء ومنظومة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والحكومية الدولية وغير الحكومية الأخرى إلى الاحتفال بهذا اليوم سنوياً، وفي كل عام تحتفل الأمم المتحدة بهذا اليوم من خلال النشرات الصحفية ووسائط التواصل الاجتماعي وأنشطة خاصة أخرى.

توفر الديمقراطية البيئة الطبيعية اللازمة لحماية حقوق الإنسان المدنية والسياسية، وهي مثل أعلى ينادي بالكرامة والمساواة والاحترام للذات الإنسانية. وإذا كان الغرب: أمريكا وأوروبا قد أولى أهمية أساسية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة بالفعل، فإنه ينبغي عليه مراجعة موقفه وسياساته تجاه قضايا العرب الأساسية.

فالاختبار الأكثر جدية لاحترام الغرب لقيم الديمقراطية يتعلق بمدى التزام دعاة الديمقراطية الغربيين بالديمقراطية وحقوق الإنسان ولا سيما في أثناء الحروب التي اندلعت في المنطقة العربية. فقد شهد العالم كيف شكلت حرب العراق انتكاسة للديمقراطية الغربية التي استخدمت آلاتها الإعلامية والسياسية ضد الشعب العراقي بأساليب الخداع ومخاتلة الرأي العام، فتحولت الديمقراطية إلى آلة ضخمة من الرقابة الأمنية والأكاذيب المفضوحة التي تسوغ شن الحروب والعدوان وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان.

وفي الوقت الذي كانت فيه الآلة الإعلامية السياسية الغربية تنتهك قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق، كانت الإجراءات الأمنية والرقابية المقيدة للحريات وخصوصيات الأفراد تزداد توسعاً داخل الدول الغربية نفسها، أي أن النموذج الديمقراطي الذي كان يراد تصديره للعالم الذي شنت لأجله الحروب لم يستطع أن يصمد حتى في موطنه الأصلي فضلاً عن صموده خارج حدوه القومية.

إن الديمقراطية الغربية ترفض وجود عالم ديمقراطي على شاكلتها في أي مكان خارج حدودها الإقليمية، لأن ذلك ينسف قاعدة التميز لدى الغرب الذي يتفاخر بأنه موطن الديمقراطية.

لقد باتت الحقيقة واضحة لزيف الديمقراطية الغربية تجاه قضايا وملفات المنطقة العربية، خاصة خلال حرب غزة لتفضح زيف الديمقراطية الغربية وتعريها بشكل كامل، حيث استمرت الدول الغربية التي تتشدق بالعدالة وحقوق الإنسان في دعم حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة عسكرياً وإعلامياً وسياسياً بكل وقاحة، وتبارك سياسات التنكيل والاضطهاد والاحتجاز القسري وتجويع الفلسطينيين التي يمارسها الكيان ضد المدنيين.

وهكذا لم يعد لحديث الحكومات الغربية عن الالتزام بالقيم الديمقراطية الكثير من المضمون، فالانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان من قاعدة “باغرام” الأفغانية إلى سجن أبو غريب في العراق ومنه إلى سجن “غوانتانامو” في كوبا وفيما بينهما الكثير من سجون الاستخبارات السرية في عدة من دول في العالم، وصولاً إلى الانتهاكات في قطاع غزة واندفاع الدول الغربية في استخدام القوة العسكرية لحماية الكيان للحفاظ على بقائه، جميعها تؤكد أن طريق تلك الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات إلى الجحيم.

إن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات يستعملها الغرب “الديمقراطي” من أجل الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي لكي يحقق مكاسب على مستوى مصالحه في البلاد العربية ودول العالم، فقد احتل الغرب عدة دول ودعم الغزاة، وبارك مقتل وتشريد الملايين من البشر، لأنهم طالبوا بتقرير مصيرهم، أو اختاروا بحرية وديمقراطية من يحكمهم كما هي حال بعض دول أفريقيا ودول أمريكا اللاتينية وكوريا الديمقراطية وإيران.

لقد أصبحت الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية مهددة بفعل شعار “الحرب على الإرهاب”، حيث تحول هذا الشعار إلى مسوغ لانتهاك القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان من قبل الغرب الذي يدعي دفاعه عن الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان، حيث مارس الغرب ضغوطاً على العديد من الدول العربية لاتخاذ إجراءات غير ديمقراطية، عسكرية وأمنية، ضد قوى وأحزاب وعناصر وجماعات معينة.

إن الغرب الذي يحاضر بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ويتحدث عنها في المحافل الدولية وفي كل مناسبة، هو الأكثر انتهاكاً لها على أراضيه وخارج أراضيه، فهو يمارس ديمقراطية زائفة ذات وجهين أحدهما مخادع ومخاتل للرأي العام، وآخر يدير فيه الآلة الإعلامية والسياسية فيغلف أهدافه العدوانية عبر الادعاء بالدفاع عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان فيسوغ لنفسه شن الحروب وقتل الشعوب وتدمير الأوطان.