في بعض الرسائل العاجلة إلى الحكومة القادمة
أحمد حسن
بالتأكيد ثمة رسائل عدّة تكمن خلف تشكيل أي حكومة جديدة في أي بلد، وإذا كان بعض هذه الرسائل مما يوجّه عبر هذه الحكومة للآخرين، فإن بعضها الآخر يوجّه إليها أيضاً، وفي هذا السياق، فإن الشارع السياسي الوطني السوري، وبالتالي الفاعلين السياسيين فيه، لا يستطيع أن يتجاهل، ويتجاهلوا، أن أول رسالة وُجهت إلى الحكومة القادمة كانت في طريقة إعلان اسم رئيسها المقبل، حيث أجرى الرفيق بشار الأسد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي قبل أيام مشاورات مع القيادة المركزية للحزب حول تكليف رئيسٍ لمجلس الوزراء لتشكيل الوزارة الجديدة.
وإذا كنا جميعاً نعرف، كل بحسب مستوى اطّلاعه واهتماماته، أنها ليست المرة الأولى التي تجري فيها مشاورات على تسمية رئيس مجلس الوزراء، أو سواه من أصحاب المناصب الكبرى في البلاد، لكن الإعلان الرسمي، عن المشاورات، من المستوى الرئاسي الأعلى تحديداً، لم يكن إلّا رسالة أخرى من الرسائل التي يوجّهها السيد الرئيس بشار الأسد تباعاً حول رؤيته المؤسّسية، والمؤسّسة، للمرحلة القادمة بكل أعبائها وتحدّياتها وطرق مواجهتها أيضاً.
والأمر فإن هذه الرسائل الرئاسية، المؤسّسة، التي بدأت تطويراً وتحديثاً من قناة الحزب الحاكم، نظراً لامتداده الشعبي الأفقي والعمودي الكبير ولموقعه ودوره السياسي والوطني الفاعل، ثم عبرت محطة السلطة التشريعية محفّزة لدورها وداعمة له في إطاره الدستوري المدوّن سلفاً، وصلت الآن إلى مجلس الوزراء، رئيساً أولاً، ووزراء في المرحلة اللاحقة، لتضعهم جميعاً، مؤسّسة وأفراداً، أمام مسؤوليات ثقيلة – بحكم المرحلة المفصلية في المنطقة والعالم – يبدأ النظر في تفكيك شيفرة حلّها، أي هذه المسؤوليات، عبر المضمون الفعلي والعميق للرسالة التي حملها الخبر الرئاسي السابق الذكر، والتي تقول، وبصريح العبارة، إنه، وكما كان نتيجة المشاورات العليا تكليف شخصية لرئاسة مجلس الوزراء تجمع بين التقنية والاقتصاد والخبرة والسيرة الذاتية في اختصاصها الدقيق، فإن المطلوب حالياً، ومستقبلاً، من الحكومة القادمة أن تجد طريقها الصحيح عبر توسيع مجال “المشاورات” والمشاركة مع، ولكل، العقول والخبرات الاقتصادية والإدارية والسياسية والتقنية في البلاد.
وإذا كانت تلك بعض، وليس كل، رسائل الأسلوب الرئاسي في تسمية رئيس الوزراء، فإن رسائل جموع المواطنين إليها بسيطة وواضحة ومكرّرة منذ عهود حكومات سابقة، لم تستطع، كما أوضح السيد الرئيس، لأسباب شتى، أن تقدم الإجابات الناجعة لها، لتجد الحكومة القادمة نفسها أمام تحديات الأسئلة ذاتها، وليضّطر أي معنيّ بالشأن العام ليكرر نفسه، وأسئلته ذاتها، ومنها مثلاً: ما “دام الحصار الاقتصادي الغربي الجائر هدفه شلل الاقتصاد واستهداف الحياة المعيشية للمواطنين”، وأنه “كان متوقعاً”، فأين هي خطط مواجهته الداخلية؟ وإذا كانت موجودة، كما قيل لهم دائماً، فلماذا لا يشعرون بنتائجها وهم ينتقلون من أزمة فادحة إلى أخرى؟
ولأن التاريخ دروس وعبر، فمن اللازم إعادة قراءة ما قرأه بول كيندي في “نشوء وسقوط القوى العظمى” لمدة خمس مائة عام من تاريخها، أي منذ عام 1500م وحتى أواخر القرن الماضي، حيث وجد أن النصر أو الهزيمة كانا حصيلة للاستثمار الكفء بصورة أو بأخرى لمصادر الإنتاج الاقتصادي لهذا البلد، أو ذاك، إبّان حربه، وبكلمة أخرى: إنهما حصيلة للطريقة التي كان بها اقتصاد ذلك البلد ينمو أو ينهار مقارنة بالآخرين.
وأيضاً، يوماً ما قال لينين “إن الشيوعية اليوم هي كهربة روسيا”، وللمصادفة فإن النصر اليوم هو إعادة كهربة سورية، نظراً للتأثير الهائل لهذه الخطوة في كل القطاعات الاقتصادية الأخرى، فلما لا تكون هذه معركة حكومة لا وزارة نواجه بها حصار الخارج وتراخي بعض الداخل؟
خلاصة القول.. هذه بعض الرسائل الرسمية والشعبية، والتاريخية، التي يُفترض بالحكومة القادمة أن تجيب عليها، وبصورة عاجلة، بما يفتح أبواباً للتفاؤل، والأمل بالعمل، لأن الظرف السياسي العالمي والمحلي لم يعد يسمح لها، ولنا معها، أن نتركها معلّقة في انتظار حكومة قادمة أخرى.