“فنّ القصة السّاخرة” نماذج من اختيار عدنان بيلونة
اللاذقية ـ آلاء حبيب
يشكّل الأدب السّاخر أداةً ووسيلةً تعتمد على استخدام الفكاهة بشكلٍ أساس، لانتقادٍ أو معالجة قضايا اجتماعية سياسية ثقافية بطريقةٍ غير مباشرة، وتسليط الضّوء على قضايا مجتمعية مهمة، وتحدّث في ذلك الباحث عدنان بيلونة عضو اتحاد الكتّاب العرب في اللاذقية في محاضرةٍ تحمل عنوان “فنّ القصة السّاخرة.. نماذج مختارة”، كما تحدّث عمّا يشكّله هذا الأسلوب الأدبي، وكيف تطوّع السّخرية في الأدب، فلا تأخذ المعنى التي أشارت إليه معاجم اللغة العربية، بل في ظاهرها تعكس التّفكك، وفي باطنها المعاناة والنّقد المبطن، وبالطبع ليست كما التهكّم والتّهريج، وقد وجدت السّخرية في مختلف ألوان التّعبير، الشّعر والنّثر والقصة والرّواية وغيرها من الكلام المنظوم أو الرّسم المعبّر مثل فنّ الكاريكاتير، وعرّفت السّخرية بأنّها ممارسةٌ جادةٌ بأسلوبٍ مُرٍ فَكِهٌ، وهي تعدّ أسلوباً من أساليب النّقد والنّضال السّياسي ومقاومة المحتل، وانتقاد السّلطة ومقاومة القهر والحرمان على مر العصور.
وبحسب بيلونة فقد عرّف بعض النقاد الأدب السّاخر الحقيقي بأن أباه الكبت وأمّه العبودية وهدفه الحريّة، وأنّ السّخرية كأسلوبٍ أدبي غالباً ما يقارب الموضوع بطرق مواربة، وهي تنطوي على الكثير من الفن اللّاذع، الذي يثير الدهشة والضحك كما يثير الحزن، وذلك حين يحاول تعرية الظواهر السّلبية ويكشف عن الأخطاء المعشعشة في المجتمع ببراعةٍ تصويرية.
ويضيف بيلونة: “السّخرية مكونٌ أساس من مكونات السّردية الأدبية، حيث يتطلب النص الأدبي السّاخر خصوصاً في القصة القصيرة، الجمع بين اللّغة ومفرداتها وتعابيرها وبين الحكاية الشّعبية والفنّ، وتضخيم العيوب المادية والنّفسية كوصف ابن الرومي لأحد خصومه الذي يدعى ابن حرب، فغالباً ما تكون القصة السّاخرة انتقاماً لثأرٍ أو تعويضاً عن نقصٍ اجتماعي، أو هماً من الهموم اليومية على وجه العموم، أو تعريفاً بظاهرةٍ سلبيةٍ موجودةٍ في ظلّ وضعٍ فاسدٍ تكثر فيه سلطة الرقيب على العقول، وهو فنٌّ راقٍ ومثير وله أبعاد نفسيه واجتماعية، وحكمة هذا الفنّ تكمن في هدف التّغيير نحو الأفضل، وإنّ الأفضل في هذا السّياق الأدبي السّاخر ما يتقبله العقل الواعي والمنطق السّليم، وينسج مع مشاعرنا الإنسانية السّامية فيحرضها ويثيرها على استبدال كل ما هو رخيص ومبتذل بكل ما هو نبيل ورفيع، والأداة هنا هي الكلمة”.
ويتابع بيلونة: “أبعاد السّخرية كما نراها عند سقراط هي رأس الحكمة وأصل الفلسفة، ومثلما قصف فيها الجاحظ هيبة البخلاء، وأسقط بها “موليير” مَلكية فرنسا، إنّ السّخرية هي السّخرية من الألم وليست إنكاراً له، ولكن تأصيلاً بفاعليته للنفس البشرية كمحرك للمشاعر باتجاه الأفضل مع خلق ابتسامة تحفّز الهمم”.
واختار الباحث عدنان بيلونة العديد من النماذج الأدبية لكُتّابٍ مختلفين عربٌ وأجانب تفي بالغرض الأدبي، كما عرض أسماء بعض الكتّاب في سورية مثل عبد السلام العجيلي وسعدالله ونوس وممدوح عدوان ومحمد الماغوط وغيرهم، وعرض أيضاً العديد من أعماله الأدبية، وتلا ذلك نقاشٌ ومداخلاتٌ حول محتوى هذه المحاضرة، كعلاقة الكاريكاتير بالفن السّاخر وهل هو نظيرٌ له، وعن الدّوافع المختلفة للأدب السّاخر.