قَهْر
عبد الكريم النّاعم
قال له صديقه، وقد علتْ وجهه غمامة مُكْفَهرّة: “إلى متى هذا القهر الذي يتناسل بأشكال مُفْزِعة، حتى أحلامنا أصبحت كوابيس لا تُطاق، فلا اليقظة مقبولة، ولا في النوم راحة؟!!.
أجابه: “معك حقّ، ذلك حال كلّ مَن يحمل ذرّة من الحسّ الإنسانيّ”.
قاطعه: “الحياة التي نواجهها تنهشنا بأسنان من حديد، نفتح عيوننا على الحاجات اللازمة لاستمرار العيش، ولا أقول الحياة فتأخذنا الحَسْرة، وقصور اليد.. نفتح التلفزيون، حين تتوافر الكهرباء، فتملأ الشاشات صور الإبادة النّازيّة الصهيونيّة، وبعد مرور قرابة سنة على بدء المعارك في الأرض المحتلّة، ترى شوارع العالم، المسمّى بالغربي، وقد احتشدتْ بالمحتجّين على ما يجري من إبادة وصلَف في فلسطين، وقد شاهدتُ صورة طالبة أمريكيّة تمزّق شهادتها الجامعيّة احتجاجاً على هذه الوحشيّة غير المسبوقة، وشوارع العالم العربي والإسلامي تكاد تكون صامتة باستثناء اليمن الفقير والشجاع، فتكاد مرارتي تفقع”.
أجابه: “ذلك حالنا جميعاً، وما أعتقد أنّ الشكوى مُفيدة، هذا إذا كان الرّهان على الذين عايشناهم طويلاً”.
قاطعه بحدّة: “هل تعني أنّه لا أمل؟!!”.
أجابه: “سبق وقلتُ لك نصف البيت الشعري “ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ”، الحياة من دون أمل، تكذّبه الحياة ذاتها، قد تطول بعض الليالي، لكنّ الليل لا يظلّ سرمداً، انظرْ إلى ذكْرك لِما يحدث في عواصم الغرب الذي تدعم حكوماته “إسرائيل” منذ إنشائها وحتى الآن، لقد كانت معظم مدنه تتعاطف مع الصهيونيّة، انطلاقاً ممّا يزعم اليهود أنّهم عانوه على يدّ النّازيّة الألمانيّة، وهذه حجة شكليّة تلبس اللّبوس الأخلاقيّ، انظرْ إلى حقيقة ما يجري بفعل النقل المباشر للأحداث، وهذا لم يكن من قبل، ولذا حجبتْ بعض الدول أخبار محطّات بعينها، خلافاً لحريّة التعبير المزعومة الاحترام، ليس هذا فقط بل هم يُعاملون هؤلاء المتظاهرين معاملة خشنة، ويحتجزون بعضهم، ويهدّدون بإغلاق بعض الجامعات”.
قاطعه: “هل تعتقد بأنّ ثمّة شرخاً حدث بين شرائح من تلك المجتمعات وحكوماتها؟!!”.
أجابه: “المعركة في غزّة فضحتْ كذبة ما يُسمّى بالعالم الحرّ، فحكام ذلك العالم، كما تُبيّن المجريات، هم ديكتاتوريّون من طراز رفيع، لكنْ بغطاء ديموقراطي، هو تلك الانتخابات التي تُجرى فيه، وهم، في معظمهم، ساقطون أخلاقيّاً سقوطاً مُفزِعاً، وهذا الافتضاح ستكون له نتائجه، كما أرجّح، في الأزمنة القادمة، فهم يقفون عراة أمام شعوبهم بتأييدهم للنّازيّة الصهيونيّة، وللإبادة الجارية على مرأى ومَسمَع من كلّ شعوب العالم”.
قاطعه: “هل ترى أنّهم مُجبرون على ذلك أم أنّه خيارهم؟”.
أجابه: “هم مُجبرون وهو خيارهم”.
قال: “لم أفهم”.
أجابه: “هم، في غالبيّتهم، من ناحية يبدون مُجبرين، لأنّهم لا يستطيعون الخروج من تحت العباءة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية حتى الآن، وهو خيارهم لأنّ مصالح شركاتهم الماليّة، والتي هي الرافعة الاقتصادية الأساس، متشابكة مع مصالح الشركات الكبرى في العالم الرأسمالي النّهّاب، وأنت تعلم أنّ للصهيونيّة حضورها الخاص في هذه الأمداء من خلال بيوتاتها الماليّة، وقدرتها على التأثير، فهم في هذه النقطة مجبرون باختيار، يذهبون في هذا الا تجاه على حساب كل قيم الأخلاق”.
قاطعه: “وماذا عن معظم حكومات العالم العربي والإسلامي؟!!”.
أجابه: “جميل أنّك قلت حكومات، لأنّها في وادٍ، وهو الانصياع لما تريده واشنطن، وشعوبها في وادٍ آخر، وهو الانحياز للمقاومة في غزة، قد تختلف درجات الانصياع بين عاصمة وأخرى، لكنّه يظل تنفيذاً لرغبات واشنطن، وهذا يجعلهم في موقف شديد الإحراج، فالتاريخ لا يرحم في تقييمه، كما أنّهم سيكونون مسؤولين أمام الله”.
aaalnaem@gmail.com