دراساتصحيفة البعث

42 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا

د.معن منيف سليمان

مرّ اثنان وأربعون عاماً على مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها نحو أربعة آلاف شخص. بين يومي 16 و18 أيلول 1982 ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، وهما من ضمن المخيمات الفلسطينية المقامة على الأراضي اللبنانية.

كان المخيم مطوَّقاً بالكامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي سهّل وساند دخول الميليشيات فجراً إلى المخيم وبدأت بتنفيذ المجزرة بدم بارد، مستخدمةً الأسلحة البيضاء وغيرها من الأدوات في عمليات التصفية الوحشية لسكان المخيم العُزَّل. وحصلت المجزرة خلال 62 ساعة فقط، وسط صمت عربي ودولي، وعلى مشاهد موثقة لجثث مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوس بلا أعين، وأخرى مهشّمة، وراح ضحيتها 4 آلاف شهيد وشهيدة، وآلاف الجرحى.

كان قادة جيش الاحتلال الصهيوني آنذاك، وعلى رأسهم “أريئيل شارون” رئيس وزراء العدو السابق الذي شغل منصب وزير الدفاع، و”رفائيل إيتان” رئيس الأركان هم من خطط وصمم وأشرف وشارك في هذه المجزرة البشعة، وقد أثبتت الوقائع أن هذه المجزرة لم تكن وليدة يوم وليلة، لكنها جاءت منسجمة مع المخطط الصهيوني منذ اليوم الأول لغزو لبنان عام 1982، وذلك بهدف قتل روح المقاومة لدى الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، إضافة إلى تأجيج الفتن الداخلية في لبنان، ثم الانتقام من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية خلال ثلاثة شهور من الصمود والحصار الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن ذلك لم يحل دون مواجهة الأبرياء مصيرهم قتلاً وذبحاً وبقراً للبطون، لا بل الاغتصاب ثم القتل.

وتروي شهادات الناجين كيف قضى المسلحون على كل شكل للحياة في المخيم، فالأطفال حتى الرضع منهم، لم يسلموا من القتل. بُقرت بطون النساء الحوامل، وأخرجت الأجنّة منها.

أما الصحافي الأمريكي “توماس فريدمان” من صحيفة “نيويورك تايمز”، قال من جانبه: “رأيت في الأغلب مجموعات من الشبان في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، صُفُّوا بمحاذاة الجدران، وقُيِّدوا من أيديهم وأقدامهم، ثم حُصدوا حصداً بوابل من طلقات المدافع الرشاشة بأسلوب عصابات الإجرام المحترفة”.

وتتخذ منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” موقفاً مؤداه أن ما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين يُعدُّ من قبيل جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وأنه ينبغي تقديم المسؤولين عنه إلى ساحة القضاء. وقد أثارت لجنة “كاهان” ما يكفي من الأسئلة التي تستوجب من الكيان إجراء تحقيق جنائي فيما إذا كان وزير الدفاع السابق “أرييل شارون”، وغيره من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين- وبعضهم كانوا على علم بوقوع المجزرة ولكنهم لم يحركوا ساكناً لإيقافها – يتحملون المسؤولية الجنائية.

غير أن النتائج التي انتهت إليها لجنة “كاهان”، مهما اعتُبرت حجة ومحلاً للثقة من حيث تمحيصها وتوثيقها للحقائق التي اكتنفت المجزرة، لا يمكن أن تكوين بديلاً عن اتخاذ إجراءات قضائية في محكمة جنائية، سواء في الكيان أم في بلد آخر، لتقديم المسؤولين عن قتل المئات من المدنيين الأبرياء إلى ساحة العدالة.

وفيما تمر اليوم الذكرى الثانية والأربعون للمجزرة، لا تزال صورة الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين تم قتلهم، أو تغييبهم، بوحشية حاضرة في وجدان الفلسطينيين وأحرار العالم، وستظل كذلك طالما أن الجناة لا يزالون طلقاء لا يحاكمون كمجرمي حرب يستحقون العقاب المناسب.