دراساتصحيفة البعث

تكميم أفواه وزج في السجون.. لا مكان للحرية في بريطانيا

سمر سامي السمارة

في الثاني من شهر أيلول الحالي، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، تعليق 30 من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى “إسرائيل”، مستشهداً بمخاوف من إمكانية استخدام المعدات لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.

في حين انتقد البعض القرار باعتباره غير كاف ومتأخر، وأنه يشير إلى أن الحكومة البريطانية تعترف بإمكانية استخدام الأسلحة البريطانية في جرائم الحرب. ومع ذلك، في الوقت الذي تتخذ فيه إدارة حزب العمال خطوات مبدئية في الاعتراف بهذه المخاطر، إلا أنها تواصل حملة موازية ضد الناشطين والصحفيين المؤيدين للفلسطينيين.

وفي خضم اتهامات بالإرهاب تحت ذرائع غامضة، تواجه شخصيات بارزة مثل الصحفي البريطاني المستقل ريتشارد ميدهورست، والناشطة سارة ويلكنسون وأعضاء منظمة حركة فلسطين الاعتقالات والإدانات من خلال حملة واسعة النطاق لإسكات الأصوات الداعمة لفلسطين والمنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة.

وبالرغم من الأدلة الموثقة على ارتكاب “إسرائيل” لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإدانة هيئات الأمم المتحدة المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان الرائدة لها، اختارت الحكومة البريطانية تكثيف إجراءاتها ضد كل من يعارض العدوان الإسرائيلي على غزة مع الحفاظ على دعمها للحكومة الإسرائيلية.

ففي شهر آب الماضي، اعتقلت الشرطة البريطانية، الصحفي ريتشارد ميدهيرست حال وصوله إلى مطار هيثرو في لندن، بتهمة التعبير عن آراء وأفكار تدعم منظمة وصفوها بـ”الإرهابية” وذلك بسبب تنديده بصورة دائمة بالإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وبحسب ميدهيرست، فإن 6 ضباط أمن بريطانيين كانوا بانتظاره عند مدخل الطائرة واعتقلوه، مشيراً إلى أنه مستهدف لأنه يتحدث عن الوضع في فلسطين.

وفي مقطع فيديو مدته 9 دقائق قال ميدهيرست “وُضعت في الحبس الانفرادي، في زنزانة باردة تفوح منها رائحة البول، لم يكن هناك ضوء، وكان السرير مجرد حافة خرسانية صغيرة مع مرتبة رقيقة مثل الورق”.

ورفض ميدهيرست بشكل قاطع أي ادعاءات بالتورط في الإرهاب، مؤكداً أنه صحفي نشأ على مناهضة الحرب، مشيراً إلى أن والديه حائزان على جائزة نوبل للسلام لعملهما كقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة.

واستمر ميدهورست قائلاً: “يجب استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمحاربة الإرهاب الفعلي، وليس الصحافة، مضيفاً أنه لم يعد هناك مكان للحرية في الدول الغربية فقد أصبحت شعاراتهم، دعايات يرسمونها ليخفوا حقيقتهم التى تحكمها المصالح.

منذ بداية الحرب على غزة، كثفت منظمة حركة فلسطين، حملتها لتفكيك مصانع الأسلحة مثل إلبيت سيستمز في المملكة المتحدة، وعرقلة نقل مكونات الأسلحة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد استخدم الناشطون تكتيكات تهدف لتعطيل سلسلة توريد الأسلحة من الأراضي البريطانية إلى “إسرائيل”، وبعد حملة من التحريض شنتها جماعات الضغط الصهيونية، يواجه ريتشارد برنارد، المؤسس المشارك لمنظمة حركة فلسطين، ثلاث تهم بسبب خطابين ألقاهما. ويواجه برنارد تهمة دعم منظمة محظورة بموجب قانون الإرهاب وتشجيع “النشاط الإجرامي”. ومع ذلك، لم يتم تقديم أي دليل حتى الآن لإثبات هذه الادعاءات.

وفي بريطانيا، عرض 11 عضواً من منظمة حركة فلسطين للسجن، بسبب مشاركتهم في إجراءات مباشرة ضد مصنعي الأسلحة، حيث تم احتجازهم في بداية الأمر لمدة أسبوع بموجب قانون الإرهاب دون تهمة، ثم وجهت إليهم لاحقاً تهم غير متعلقة بالإرهاب وتم احتجازهم لاحقاً في السجن.

وفي أواخر شهر آب الماضي، قام اثنا عشر ضابط شرطة لمكافحة الإرهاب، وصفهم ابن الناشطة سارة ويلكنسون البالغة من العمر 61 عاماً بأنهم “بلطجية يرتدون أقنعة”، باعتقالها بعد مداهمة منزلها والاستيلاء على أجهزتها الإلكترونية.

وكان إطلاق سراحها لاحقاً، بشرط أن تمتنع عن استخدام الأجهزة الإلكترونية، ومنذ ذلك الحين، لم تتمكن من مواصلة تغطيتها على وسائل التواصل الاجتماعي للعدوان على غزة.

كانت ويلكنسون ناشطة سلام منذ فترة طويلة، شاركت في مبادرة في الأردن لإسقاط المساعدات الإنسانية جواً للمدنيين الذين كانوا يعانون من المجاعة في شمال غزة، وكان من المقرر أيضاً أن تنضم إلى أسطول مساعدات إنسانية يهدف إلى الإبحار إلى الجيب المحاصر في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي.

رداً على اعتقالها، أصدر مؤسس فرقة بينك فلويد البريطانية روجر ووترز، بياناً مصوراً أشار فيه إلى أنها اعتقلت “لدفاعها عن حقوق الإنسان ومناهضتها الإبادة الجماعية”.

ورغم أن موجة الاعتقالات الأخيرة تمثل تصعيداً في حملة الحكومة البريطانية الصارمة ضد الناشطين والصحفيين المؤيدين للفلسطينيين، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ مثل هذه الإجراءات.

على سبيل المثال، حصلت كل من هبة الحايك، وبولين أنكوندا، ونويموتو أولايينكا تايو على إفراج مشروط لمدة 12 شهراً لعرضهن صور لطائرات شراعية على حقائب الظهر الخاصة بهن أثناء احتجاج مؤيد لفلسطين في وسط لندن في تشرين الأول الماضي. ورغم أن النساء لم يظهرن صراحة دعمهن للمقاومة الفلسطينية، فقد استخدمن صور طائرات شراعية ترمز إلى إحدى الطرق التي استخدمتها عناصر المقاومة الفلسطينية لاختراق السياج الأمني الإسرائيلي في السابع تشرين الأول.

وفي هذه القضية، قال تان إكرام نائب رئيس القضاة في بريطانيا للنساء الثلاث: “لقد تجاوزتن الحد، ولكن من العدل أن نقول إن المشاعر كانت عالية للغاية بشأن هذه القضية، لقد تعلمتن درساً جيداً”. ورغم أن إكرام أقر بأن النساء لم يكن لديهن نية لدعم المقاومة، إلا أنهن ما زلن مدانات بجريمة تتعلق بالإرهاب.

على النقيض من ذلك، سُمح للجنود الإسرائيليين الذين شاركوا بشكل مباشر في العدوان المستمر على غزة ــ وهو الأمر الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية بمثابة إبادة جماعية ــ بالمشاركة في فعاليات التحدث في لندن.

وفي كل هذه الحالات ــ سواء الاعتقالات أو الإدانات ــ بات واضحاً أن السلطات البريطانية سعت إلى جعل هؤلاء الأفراد عبرة لغيرهم، بهدف إسكاتهم وترهيب الآخرين من الانخراط في أنشطة مماثلة.

وتأتي هذه الحملة في وقت تُتهم فيه “إسرائيل” بارتكاب جرائم خطيرة ضد المدنيين، وهو السبب الجذري وراء الكثير من النشاط والصحافة المذكورة.