انسيابية التشكيل النحتي في “تأمل وحياة” فادي الخوري
ملده شويكاني
يتأثر الفنان التشكيلي السوري بمشاهداته في بلاد الاغتراب، لكنه يبقى مخلصاً لهويته السورية التي تحمل خصوصية الفنّ التشكيلي السوري في جزء منها، وهذا حال الفنان فادي الخوري النحات والرسام المغترب في كندا الذي دفعه الحنين إلى زيارة الوطن وإقامة معرض لمنحوتاته في صالة الرواق العربي برعاية رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عرفان أبو الشامات، بعنوان “تأمل وحياة”.
ومن اكتسابه الخبرات الفنية من خلال اشتغاله ومتابعته الحركة الفنية التشكيلية في كندا، بدأ الخوري حديثه لـ”البعث”، وأوضح: “بالإضافة إلى اكتساب الفنان خبرات من الآخرين في المغترب، في الوقت ذاته يضع بصمته عند الآخرين، ولاسيما أن الفنّ الشرقي فن راق وعريق عبر التاريخ وخاصة الشرق الأوسطي، وغالباً ما يترك الفنان السوري بصمته في أيّ مكان في العالم سواء بالدول العربية أم بأوروبا أم أمريكا وكندا، التي تجمع العديد من الجنسيات وتُدعى بـ”بلد المهاجرين”، وتتميّز بوجود فنانين هنود وصينيين وأصحاب اليونيت والنيتف السكان الأصلاء، وتاريخها يتصف بالحضارات القديمة والتجارب العميقة، وخلال مشاهداتي لفت انتباهي على صعيد النحت أعمال الفنانين الهنود، وغالبية الفنانين يعملون على خامة الخشب لغلاء الحجر كما يتمّ استيراد مواد أخرى، ويشتغلون بالمعدن الخردة بتشكيلات فنية جديدة وفق مبدأ فن التدوير”.
ومن خلال “تأمل وحياة”، توقفتُ معه عند منحوتات المرأة التي شغلت حيزاً من المعرض، سواء بحالات تعبيرية بالتركيز على تفاصيل جسدها الأنثوية، أم بانسيابية رشيقة برمزية موحية، فبيّن أن “المرأة أساسية بأعماله سواء بالنحت أم الرسم لكونها ترمز إلى الخصوبة والحب والانسيابية والجمال والصبر، بالإضافة إلى دورها الفعّال بالمجتمع، وأنا لا أتوقف عند المرأة بحدّ ذاتها، فأنا أنحت الإنسان عامة بدائرة مضامين إنسانية، فالكتل الأساسية الإنسان بالإضافة إلى بعض الرموز من النباتي أو الحيواني وفق الفكرة التي أريدها، بشكل عام أعمالي كلها مدروسة فلا أشتغل بالفطرة أو بشكل عشوائي حتى التجريد بمساري الفني مدروس بدقة، ما يمكّن المتلقي من فهم التكوين”.
وتابعنا عن الانسيابية بالتشكيل النحتي، فبيّن أنه يحبّ الانسيابية، وخاصة ببعض أعمال الأنثى التي تأخذ طابع الانسيابية المبسطة، في حين رمزت المنحوتة الجماعية إلى البشر، المرأة والرجل بتشكيل الأسرة، الحالة المجتمعية للإنسان والحالة التعاونية بين البشر، لذلك أجسّد هذه المضامين بأعمال مترابطة فيما بينها.
المنحوتة الكبيرة التي تعلوها الكرة الأرضية، واختارها لتتوسط البروشور، تعني أن الإنسان ينطلق من الأرض ويستفيد من جذوره بإيماءة السنابل، والتشكيل الفني للمرأة والرجل يدلان على تماسكهما معاً ومعاناتهما على الأرض، وهما كتلة واحدة نابعة من الأرض بتشكيل جماعي، كما حفل المعرض بكتل نحتية مفرغة مثل الكتلة من خشب الجوز، التي ترمز للإنسان المفكر بالتركيز على ملامح الوجه، أما عن الإضافات إلى المنحوتة مثل الزيت أو المواد اللامعة فأوضح أن خامة الخشب تعزل بمواد عازلة مثل الزيت أو الورنيش للحماية.
ومن معرضه في سورية إلى معارضه في كندا، إذ شارك بمعارض جماعية وأقام معرضاً فردياً، يقول: “عرضوا أعمالي في المكتبة الرئيسية بالمدينة التي أقطن بها وتدعى “كالديري” بألبيرتا، ولاقت الإعجاب لكوني أعمل بشكل يدوي بالأزاميل والزويدة في الوقت الذي انتشرت فيه الآلات النحتية الصناعية، ونفذت الأعمال في ورشة جماعية تابعة للدولة وتقدّم للفنان كل المستلزمات الفنية بتكييف مريح في الأجواء الباردة هناك، يحضر الفنان فقط الخامات الخاصة مثل الخشب، وقد راقبني أحد الفنانين الهنود واستغرب أنني أنحت من دون رسم ووضع علامات، فاقترح أن أصوّر مراحل تنفيذ العمل بفيديو وأنشره”.
ويعود الخوري إلى تاريخه الفني الذي بدأ من سورية بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1991 إلى لبنان وإقامته العديد من المعارض: “كما شاركت بفعاليات وكانت لديّ ورشة بمنطقة ضهور الشوير في لبنان، ومن ثم إلى كندا منذ عام 2019، وانطلقتُ من المدرسة الواقعية بالنحت والرسم والنسخ لمشاهدات طبيعية وللبورتريه، ثم دخلت بمراحل متقدمة بالتعبيرية وبعدها بالتكعيبية ومن ثم التجريد، واستمررت بمجالي النحت والرسم في سورية ولبنان وكندا، لكنني فضلتُ تخصيص هذا المعرض للنحت وبخامة واحدة الخشب فكانت الأعمال متنوعة من خشب التوت والزيتون والجوز والكينا، باستثناء عملين من الحجر، الأول من الحجر النهري القاسي جداً، ويحتاج النحت فيه إلى جهد كبير وتركيز، أما الثاني فمن الحجر الطبيعي رحيباني، وتستهويني الأحجار الإيطالية المستوردة مثل حجر الكرارة وحجر سيتواري، وفي سورية توجد لدينا أنواع رائعة من الحجر بالإضافة إلى رحيباني والتدمري وغيرهما، وفي منطقة الساحل قرب البسيط أنواع من الأحجار الملونة لم أستطع الحصول عليها، واللون وحده يشكل تحفة فنية، أتمنى الحصول عليها على الرغم من أن تنفيذ عملية النحت صعبة عليها”.
وفي زاوية أخرى من الحوار، عقب على سؤالي عن متابعته المشهد الفني السوري بأن النحت ما يزال قليلاً مقارنة مع التصوير برسم اللوحات بالإكليريك أو الزيتي في المعارض الجماعية والفردية، وعلى صعيد النحت أبدى إعجابه بفنانين نحاتين دخلوا العالمية مثل الفنان الخلوق لطفي الرمحين الذي اشتغل بخامات الخشب والحجر ومواد أخرى، وبيّن: “كنتُ أتردد إلى ورشته بالأعشرية وأطلع عن قرب على أعماله وإبداعاته خلال زياراته الوطن”.
وتحدثت رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين المهندسة مهى محفوظ عن تطور حركة الفنّ التشكيلي السوري بعد سنوات الحرب، واحتضان اتحاد الفنانين التشكيليين الفنانين المغتربين، والترحيب بهم لإقامة معارض في وطنهم الأم سورية، فبعد معرض الدكتور سيف داود المغترب في ألمانيا، أقيم معرض فادي الخوري المغترب في كندا، واتحاد الفنانين التشكيليين يعمل بدأب لجمع مبدعي سورية بكل الفنون الجميلة.