مثالية الصمت!!
بشير فرزان
أثارت التصريحات الصادرة عن الاتحاد العام لنقابات العمال حول أداء بعض الوزارات والوزراء خلال جلسات المجلس العام للاتحاد الكثير من التساؤلات حول حقيقة الموقف النقابي تجاه العديد من القضايا الإنتاجية والعمالية والقانونية، والتي لها علاقة بالعمل والعمال وماهية الحضور النقابي ودوره في التصويب والتغيير والتدخل في الملفات الشائكة، والتي لم تصل إلى نهايات حقيقية وذات عائدية على العمل المؤسساتي.
وفي مقابل هذه التساؤلات التي لا تخلو من التشكيك بالدور والإدراج في خانة الاستهداف الشخصي، نجد أن الكلمة النقابية اجتمعت في مراحل سابقة، كما تجتمع اليوم مع اقتراب بدء مرحلة جديدة في حياة التنظيم النقابي، على أهمية تنشيط الدور النقابي وتفعيل حضوره في حياة الطبقة العاملة التي تتطلع إلى إحياء العلاقة بينها وبين التنظيم النقابي بشكل يواكب المتغيّرات والمستجدات، ويعيد المنظمة النقابية إلى حاضنتها العمالية كراعية للمصالح وللمكاسب، وكمدافعة عن الحقوق وناطقة باسم الجماهير العمالية على مساحة القطر.
وطبعاً.. لا نقصد هنا التنكر لمرحلة سابقة وشخصنة العمل النقابي، أو رفع أصابع الاتهام بالتقصير بوجه أحد، فالقيادة النقابية الحالية حاكت بعملها الواقع النقابي الحالي، وراعت واقع الحرب بكلّ تعقيداته وتحدياته المختلفة من باب العمل الوطني والاستثنائية في خصوصية النضال المطلبي، وهي في الوقت ذاته تمتلك شجاعة الاعتراف بأخطائها، وعلى استعداد تام لقبول النقد البنّاء والحوار والتعامل مع الجميع، وبالندية التي تتضمن إمكانية التراجع عن أي قرار أو رأي لا يخدم المصلحة العمالية الوطنية، ولا يصوّب التوجهات والأعمال التي ستكون متاحة للرأي العام لتقييمها ومساءلتها عن أي خلل فيها، فسياسة رمي الأخطاء على المجهول ليس لها وجود في قاموس العمل النقابي اليومي.
ما نريد قوله، أو بالأصح ما يجب أن يقال الآن، هو أن الفكر المؤسّساتي الجماعي سيكون الفكر الوحيد الناشط والفاعل على ساحة العمل الميداني، ليتمّ من خلاله ليس فقط ترميم الثقة بأداء النقابات التي شهدت، وفي فترات متقطعة، حالة من القطيعة بين القيادات والقواعد، بل ولتعزيز وتمتين جسور الثقة وفتح قنوات تواصل جديدة مع جميع العمال الذين تلتزم النقابات بكلّ ما يهمّهم، سواء في القطاع العام أو الخاص، لتكون بحق صوت العمال والممثلة الحقيقية لقضاياهم المختلفة.
ولا شكّ أن العمل اليومي للنقابات العمالية الموجودة في كلّ موقع إنتاجي يغلق الباب أمام الشائعات ومحاولات قلب الحقائق. ومن باب الحرص أيضاً على اقتران القول بالفعل نستطيع التأكيد على أن النقابات لن تعمل في هذه المرحلة المصيرية بمثالية الصمت التي يسمّيها البعض إستراتيجية النفس الطويل، والتي كانت تراعي من خلالها الظروف والتحديات التي فرضتها الحرب وتبعات الحصار، بل ستتعامل مع أي موقف بشكل مباشر دون تجاوز الصلاحيات أو التعدي على حقوق الآخرين، طالما كانت مصالح العمال وحقوقهم ضمن دائرة الأمان، وتلقى الاهتمام والمتابعة من قبل الشركاء في صنع القرار، وستكون الأبواب مفتوحة لسماع وجهات النظر مهما كانت بعيدة أو مختلفة مع الرؤى النقابية، وخاصة ما يتعلق بتعديل بعض القوانين أو من حيث السياسة العامة بشتى وجوهها وجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والقطاع العام الصناعي.
وطبعاً التخلي عن مثالية الصمت وتجسيد حقيقة التغيير في الخطاب النقابي يتماهى مع الحرص على اتخاذ كلّ ما من شأنه الارتقاء بالعمل وزيادة الإنتاجية، وضمان حقوق العمال من خلال القوانين الناظمة للعمل، والإسراع بإصدار التعديلات اللازمة لمواكبة المتغيّرات والحرص على تحريك عجلة إصلاح القطاع العام بشكل فعلي بعيداً عن سياسة الخطابات الجوفاء والوعود الخلبية، وبذلك تتحقق المصلحة العمالية والوطنية.