أربعائيات .. حكومة جديدة وظروف صعبة قديمة!
مهدي دخل الله
ستجد الحكومة الجديدة نفسها، كالحكومات السابقة إبان فترة الحرب، في ظروف موضوعية صعبة ومعقدة، إضافة إلى الندرة في الموارد المتاحة.
وعلى الرغم من أن الظروف الموضوعية واحدة، في إطارها العام وبناها الأساسية، بالنسبة للحكومات كلها، إلا أن التفاصيل تؤكد وجود اختلافات مهمة في الظروف التي واجهتها كل حكومة منذ عام /2012/ حتى اليوم، وعددها خمس حكومات.
- حكومتا الحلقي /2012 – 2016/ كانت ظروفهما الأصعب على الاطلاق، بسبب سيطرة الإرهابيين وحماتهم على مساحات واسعة من البلاد بما في ذلك حزام ضيق حول العاصمة من الجهات الأربع، والسيطرة على الجزيرة، وأجزاء من مدينة حلب وحمص، وقطع طريق حماة – حلب الحيوي، والسيطرة في الجنوب على درعا والقنيطرة، وفي الشمال حصار اللاذقية، وفي الوسط محاولة إنشاء “الدولة العازلة” من حمص إلى طرابلس الشام عبر القصير والحصن والقلمون الشمالي..
الاقتصاد كان شبه منهار، المصانع تم سرقتها، وكذلك النفط والغاز والفوسفات ومساحات زراعية كبيرة، البنى التحتية منهكة ومقطعة. كان أي حديث عن التنمية والاستثمار نكتة سمجة أو أضغاث أحلام..
كانت مهمة الحكومة الأولى دعم الجيش والدفاع الوطني المنتشرين في مساحات واسعة، وتعزيز الصمود المجتمعي، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على المستويات المجتمعية والاقتصادية. على الرغم من ذلك نجحت الحكومة في حماية ما يمكن حمايته من البنى التحتية، وفتحت طريق أثريا – خناصر لربط العاصمة بحلب، واستمرت في تجديد الطرق العامة وبناء العقد والجسور (عقدتا طرطوس)، وفتح طرق حول العاصمة للربط مع القلمون وحمص ودرعا والقنيطرة..
في فترة حكومتي الحلقي كانت هناك ظروف تخفف من وطأة هذه الصعوبات. هي ظروف سلبية وسيئة بالطبع، لكن استطاعت الحكومة تحويلها إلى فرص مساعدة، فمثلاً كانت الدولة مسؤولة عن جزء صغير فقط من الوطن، وهذا أمر مهم في دعم المواد الاستهلاكية وتوزيع الكهرباء والبنزين والمازوت وغيرها. أما سعر صرف الليرة فصمد بشكل معقول نتيجة الأخذ من الاحتياط، ونتيجة التمويل الخارجي الكبير للإرهابيين الذين كانوا مضطرين لاستبداله بالعملة الوطنية، ولو بطرق غير شرعية..
- حكومة خميس /2016 – 2020/ كانت ظروفها أفضل من جهة تحرير أجزاء كبيرة من الجغرافيا مع ثرواتها، لكنها واجهت ازدياداً مضطرداً في أعداد الناس في المناطق الآمنة، أي أنها واجهت إنفاقاً متزايداً لدعم الاستهلاك.. بالمقابل بدأت تحويلات السوريين في الخارج تزداد، ما أسهم في دعم الحالة الاجتماعية والاقتصاد الوطني، كليهما.
- حكومة عرنوس /2020 – 2024/ واجهت هذه الحكومة سيلاً من المصائب الكبرى، من أهمها كورونا والزلزال وانفجار مرفأ بيروت وما تبعه من انهيار للنظام المصرفي اللبناني ولموجودات التجار السوريين هناك. كما واجهت اشتداد الحرب الاقتصادية المتمثلة بقانون قيصر الفريد من نوعه في العلاقات الدولية..
ومع تحرير الجنوب والغوطتين وريف دمشق وحلب واجهت اتساعاً متزايداً في أعداد مستهلكي الطاقة بجميع أنواعها، وازدياداً في مبالغ الدعم، وانهيارات في سعر الصرف..
بالمقابل، أدى الاستقرار الأمني الواضح إلى تحسن البيئة الأمنية لإعادة الإعمار، وتشجيع الاستثمار، والتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وعلى الطاقة البديلة..
وكان لعملية اتساع المصالحات الداخلية والمصالحات الخارجية، خاصة مع الدول العربية، أثر إيجابي، نفسي وعملي، في إعادة الثقة بالاقتصاد السوري وبتوجه سورية الواقعي نحو النصر النهائي..
أخيراً.. كل حكومة كان لديها مشاكلها الموضوعية. وكل حكومة عملت مع المتابعة اليومية للرئيس الأسد، إلى فعل ما يمكن فعله في ظروف قاسية..
ولا شك أن التقييم العام إيجابي، وإن كان لا بد من الاعتراف بوجود فرص ضائعة هنا وهناك، وبقصور في هذا المجال أو ذاك، وبإشكالات كبيرة في مجال الإصلاح الإداري.. إلخ..