موجة التهديدات الإسرائيلية ليست أكثر من ترهيب
هيفاء علي
يستمر العدوان الإسرائيلي الشرس على قطاع غزة والضفة الغربية للشهر الـ 11 على التوالي، ويحصد المزيد من أرواح المدنيين، والمزيد من الكوادر الطبية والمزيد من الصحفيين على مرأى ومسمع العالم أجمع، دون أن يحرك ما يُسمّى المجتمع الدولي ساكناً. وفي الوقت نفسه، يعرقل نتنياهو أي اقتراح لوقف إطلاق النار من خلال إضافة شروط جديدة إلى التفاصيل المتفق عليها. وآخر مساعيه هو الحصول على سيطرة عسكرية دائمة على “ممر فيلادلفيا”، الذي يحدّد الحدود بين مصر وقطاع غزة، مع العلم أن هناك اتفاقيتين دوليتين تفاوضت بشأنهما الولايات المتحدة وقبلتهما مصر و”إسرائيل”، تحظران أي تواجد لقوة خفيفة أكثر من مؤقتة في الممر. كما تفرض هذه الاتفاقيات حدوداً واضحة على وجود قوات الاحتلال الإسرائيلية بالقرب من الحدود المصرية، ولا تسمح إلا لوحدات إسرائيلية “أمنية”.
وتهدف الاتفاقيتان إلى ضمان الاستقرار وتجنّب الاحتلال المطول في المناطق الحسّاسة، لكن نتنياهو لا يهتمّ على الإطلاق بما قد يكون البيت الأبيض قد وعد به مصر، وتردّد بايدن في معاقبته يسمح له بتجاهل كل التدخلات، بينما تهدّد المذابح التي يرتكبها المستوطنون في الضفة الغربية، بدعم من حكومة الاحتلال، بجعل الوضع مماثلاً للوضع في قطاع غزة. ويبدو أن نتنياهو وبمشاركة جيش الاحتلال يبذل كلّ ما في وسعه لفتح جبهة أخرى في الضفة الغربية، وسيتمّ تلبية رغبته قريباً بدعم كامل وغير مشروط من الولايات المتحدة.
ولكن التصعيد بإشعال النيران على جبهتين ليس كافياً بعد، ففي الآونة الأخيرة دعت عدة أصوات إسرائيلية، بما في ذلك نتنياهو، إلى الهجوم ضد لبنان، حيث حثّ “حكومته” على الاستعداد لـ”تغيير الوضع” على ما سمّاه “الجبهة الشمالية”، في ظلّ الاشتباكات المستمرة والتوترات المتزايدة، بدليل ما أشارت إليه مصادر إسرائيلية لوسائل إعلام بأن المعركة مع لبنان “وشيكة” لكن توقيتها لم يتحدّد بعد.
وبحسب مصادر من المقاومة اللبنانية، لن تتمكّن “إسرائيل” من إعادة مستوطنيها إلى ديارهم مهما بكوا، ما لم يوقف نتنياهو حربه على غزة، وهذا ما قاله نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله الشيخ علي دعموش، مؤكداً أن حزب الله “لن يقبل أبداً بتغيير قواعد الاشتباك وتعديل المعادلات الحالية”. ومضيفاً أنه “كلما كثف العدو هجماته، كلما زادت المقاومة من قوة ردعها ووسعت عملياتها”.
إن الموجة الأخيرة من التهديدات الإسرائيلية بشأن “عدوان وشيك” على لبنان تهدف فقط إلى الترهيب، وإلى عرقلة التقارب الإيراني الأميركي الأخير، الذي ظهرت أولى بوادره في الاتفاق المبرم في العراق، والذي لم يكن ليرى النور لولا الضوء الأخضر من إيران، حيث اتفق العراق والولايات المتحدة على انسحاب تدريجي للتحالف المزعوم الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش”، لكنهما لم يوقعا اتفاقاً نهائياً بعد.
بالمحصلة، وعند قراءة وسائل الإعلام الغربية، يبدو أن المذبحة اليومية في فلسطين وما حولها لن تتوقف، والوضع جاهز للانفجار، وأدنى حادث جديد يمكن أن يؤدي بسهولة إلى تصعيد الوضع إلى حرب أوسع نطاقاً، والتي ستصبح قريباً بالنسبة “لإسرائيل” حرباً وجودية.