الحرب السيبرانية… “رهانات فاشلة”
بشار محي الدين المحمد
إن المتابع لأحداث الثلاثاء الأسود الذي غصّ بدماء طواقم الإسعاف والجمعيات الخيرية وحتى البعثات الدبلوماسية، ولا ننكر، عدد من عناصر المقاومة الوطنية في لبنان، يتوصل بدقة لمعرفة أهداف تلك الهجمات السيبرانية المفاجئة للعدو الإسرائيلي ومشغليه من غزاة الغرب إن ربط الأحداث وعاد للماضي الاستعماري الغربي.
فلا ننسى أن ما يحدث في لبنان والمنطقة هو فصل من فصول حرب عالمية جديدة تتضمن عدة جوانب وأدوات، أهمها الجانب الإيديولوجي، حيث يكمن هذا الجانب من خلال بحث القوى الامبريالية عقائد بديلة، وهذا ما أفرد له الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، جانباً من خطابه أمام الاجتماع الموسّع للجنة المركزية للحزب، مؤكداً على أن الخطر الأكبر لما تتعرّض له سورية أو غيرها من البلدان لا يكمن في غزو جيش أو عدة جيوش لها، أو في حصار يؤدي لتجويع شعبها، بل الخطر في نجاح تلك القوى المتآمرة في إحلال عقائد بديلة مكان العقائد الأصيلة، مثل بث “عقيدة اليأس” و”عقيدة الانهزام” وحتى “عقيدة التطرف”.
ومن خلال ربط ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية، وما جرى في الماضي الإجرامي لهذه القوى، نجد أن “إسرائيل” أرادت اجترار هذا الماضي، حيث ظنّت أن تلك الهجمات السيبرانية المفاجئة في الطريقة والأسلوب، والتي فتكت بأجساد الأطفال والأبرياء في عدد من المناطق اللبنانية والأسواق والشوارع والجنازات، من الممكن أن تعيد ما حقّقته راعيتها المجرمة أمريكا في اليابان بالقرن الماضي؛ فاليابان كانت تخسر الضحايا بعشرات الألوف في غارات جوية أمريكية، لكنها لم تستسلم إلا عندما رأت سلاحاً غير مسبوق في الفتك والإبادة، حتى وإن كان عدد ضحاياه أقلّ من عدد ضحايا غارة جوية أمريكية إجرامية اعتيادية، فالسلاح آتى أُكله ليس في عدد الضحايا بل في الجانب المتمثل في بث “عقيدة الانهزام” الذي حوّل طوكيو من قطب عالمي إلى تابع مطيع للإرادة الأمريكية ومنفذ لإملاءاتها.
لقد نسيت “إسرائيل” وداعموها أن الأحزاب المتينة والانتماءات الوطنية القوية، كما أشار الرئيس الأسد، تُبنى على العقيدة التي توحّد الشعوب وأهدافها ضد أي قيم بديلة من الممكن أن تفتّتها، إن كانت هشّة مصطنعة، ومن الصعب بمكان ومهما حاولت تلك القوى، ومارست من إبادة وإجرام، أن تثني عقيدة محور المقاومة في لبنان وغزة واليمن والعراق وسورية، وكل حرّ شريف في المنطقة والعالم، عن متابعة نضاله لتحرير أرضه ومقدساته، لطالما أنها فشلت وما زالت تفشل في تحقيق هدفها الأول باستبدال العقائد الراسخة في العقل الجمعي لأبناء المنطقة، خاصة وأن “إسرائيل” هي كيان مصطنع، ومن فيها هم مستوطنون غرباء بلا أحاسيس أو انتماء أو مشاعر أو حتى شرعية تاريخية تجمعهم، في وقت تتجذّر كل العوامل الوطنية والتاريخية والثقافية لشعوبنا.