ثقافةصحيفة البعث

حفل توقيع ومديح لـ”حلقات متلظية” و”كارمالوف”

نجوى صليبه

“تقول الكاتبة: “كفّ عن مطالبتي بالإذعان، لتدرك سرّ الضّياء، تبرعمت حريتي حين تمكّنت من تحطيم قيدي.. إنّها روحي المحلّقة مع النّور والطّيور.. من خلال هذا الإهداء الموجّه إلى رفقاء الكلمة من أحبة وأبناء وأهل، نجد أنّ الكاتبة استهلت مجموعتها وهي تريد قول إنّها فصول من الحبّ تسكن في النّفوس الهانئة”، جزء ممّا قدّمته الدّكتورة عائدة فهد في عرضها للمجموعة القصصية “حلقات متلظية” لصاحبتها هدى أمون، خلال حفل توقيع مجموعتها وروايتها “كارمالوف” في المركز الثّقافي العربي بـ”أبو رمانة”، وتستشهد فهد ببعض ما ورد في المجموعة: “في جلد الذّات وشحّ الخير في البلاد وهجرة سكّانها في الوقت الذي كانت تظهر فيه مدن على جانبي الشّوارع، إنّها حقّاً مفارقة، وفي ريشته المتلاشية، ينسى الفنّان الفقير عند الشّاطئ تلك الذّات المهزوزة ليهيم في دجى البؤس والعشق معاً، لأنّ السّلاح يناديه لكي ينقذ ما بقي من وطنه، وعليه ألّا ينسى ذاته ويترك حقيبة ذكرياته، باحثاً عن ملاذه المفقود، بين تلك المقابر، علّه يجد صك براءة لتلك الحضارة التي بدت بائدة، لنهي حصاد عمره وسفره وينجو من هواجس تعصف به كالرّيح، بعد أن احتكرها الظّلام”.

أمّا الأديب الدّكتور عبد الله الشّاهر فقدّم قراءة في رواية “سمفونية عباد الشّمس” للكاتبة ذاتها، يقول فيها: “مع استعادة جماليات الأدب وتجلياته، تبرز الأنثى بحسّها الإبداعي المرهف لتخطّ مسارها الرّوائي من خلال فضاء واسع التّشكيل سريع التّشكل وبأسلوب يغري القارئ بالمتابعة والتّوق إلى معرفة المزيد من خلال سردية اتّصفت بالجملة الرّشيقة والمفردة المعبّرة وبمواصفات مكانية وزمانية تشي بمقدرة عالية، إنّها رواية تمثّل ذاكرة نهمة، والمتأمّل في أحداثها يجدها وليدة الذّاكرة والذّكريات إذا استحكمت فعلت فعلها، ولاسيّما أنّها ذات طابع شعبوي، فهي تصوّر نماذج من الحكايات بتقنيات سردية لتفضي بنا إلى مقاصد فكرية معينة”، ويضيف: “لقد وعت الرّوائية هدى أمون أنّ الكتابة روح، وأنّ الرّواية ترميز لروحها على الورق من خلال وعي اجتماعي بتدخلاته الفكرة والعاطفية، وهذا الوعي تجسد قدرةً وإمتاعاً وإشباعاً، لذلك يمكن القول إنّ هذه الرواية اختبار واضح للمهارات الإبداعية للرّوائية واستجابة واضحة للدّخول تحت مظلة الرّواية، حيث كان نصّ الرّواية حاجة للتّعبير عن حالات لا عن فكرة جاهزة مسبقة، وهذا يمنح الرّواية اكتفاءً يختار اتّجاهه عبر فاعلية المتلقي، إذ أحسنت الرّوائية اختيار العنوان الذي إن أردنا تحليله سندخل في عمق الرّواية، والسمفونية قطعة موسيقية تعني الإنشاد الجماعي الذي يتكوّن من ثلاث إلى أربع حركات، أما عبّاد الشّمس فهو زهرة ترمز إلى الإعجاب والولاء والأنثى والخصب، وعبّاد الشّمس يعني آلهة الحبّ الصّامت ومن صفات هذه الزّهرة أنّها تدور مع الشّمس أينما دارت، وبشكل عام تبرز شخصية الرّوائية الشّفافة والرّقيقة من خلال فهمها للون وتوظيفه وهذا مؤشّر على الحسّ الجمالي”.
وفي لغة الرّواية يقول الشّاهر: “اللغة صادرة عن عاطفة صادقة قاربت روح الشّعر في بعض السّرديات، فكانت استجابةً للحالة العاطفية التي تحكم السّرد الرّوائي، وهناك إنشائية فرضت نفسها على السّرد، لكنّها جميلة”، منوّهاً بأنّه لم يلحظ في الرّواية وضوحاً للزّمان والمكان، يبيّن: “لقد استعصيا على التّحديد”.

أمّا القاصّ غسان حورانية فحدّث عن رواية “ليل شكسبيري”: “عندما يمتزج الحب بالثقافة والعين الحاذقة وسعة الأفق والقدرة على محاكاة أعتى فلاسفة الأدب العالمي وكتابهم، ثمّ تجتمع تلك الصّفات والمعاني داخل كاتبة لا ينبض قلبها إلّا بالحبّ على الرّغم من كلّ ما جرّته الحرب من ويلات، علينا أن ندرك أنّنا مدعوون إلى التّعرف على رواية دسمة لروائية لم ترض علوم الأرض طموحها، فطالت بأناملها نجمة من السّماء، وخطّت بها سطور هذه الرّواية لتضيء بشعاعها وطنها درب الحياة والأمل، كما أنّها جمعت الحياة بين الرّاوية “سيلا” وثلّة من الأصدقاء كانت هي الملاذ الآمن لمشكلاتهم وما يعترض طريقهم، وروت المؤلّفة قصصاً فريدة للحبّ النّقي بين أبطال شخصيّاتها “كريم وزينة” و”ياسمين وراني” و”سيلا وأنس” حبّاً مرهفاً من نوع فريد يحوطه الدّفء ويغلّفه الكتمان”.
ويبيّن حورانية أنّ الرّوائية قسّمت روايتها إلى سبعة فصول متتالية، وجعلت للستة الأولى ما سمّته التّرنيمات، وسلّطت الضّوء على المعاني السّامية التي يحملها الحبّ والصّداقة والنّزوع إلى السّلام، مبيناً: “لقد تحدّثت في المقدمة عن الحرب التي أثقلت كواهلنا وجرعتنا مرارة الفراق، وقرأنا بين السّطور كيف كالت الدّنيا بمكيالين عندما حكمت علينا الأسى والمواجع، وأذاقتنا ألم فراق الأحبّة وفي الوقت ذاته منحت القلّة النّادرة السّعادة المنهوبة من موسم الحبّ ـ التّعبير للمؤلفةـ “، وتحفل الرّواية أيضاً بكلمات وجمل وتشابيه جميلة يصعب جمعها كلّها في هذه السّطور القليلة، متخذةً من بعض أسماء نجوم الفنّ والأدب أيقونة للمعاني العظيمة “يا له من صباح فيروزي” و”الألم بمذاق نزاري” و”يا لهذا النهار الشّاعري بقربك كم هو جبراني”.
وعلى الرّغم من أنّ الرّواية كتبت -حسب ما يبيّن حورانية- ليشار من خلالها إلى الحرب، ولتكون صرخة في وجه الظّلم والقهر الذي عاناه أبناء الوطن، لكنّ مكامن الحبّ في داخل الأديبة أبت إلّا صبغ الرّواية بصبغة الحبّ بكلّ معانيه العظيمة، متسلّحةً بلغةٍ عالية الدّلالة وحبكة محكمة وعبارات رشيقة تنساب كالينبوع هادئة دافئة ومعان واضحة وأسلوب سهل.

الملفت في هذا الحفل هو أنّه كان مخصّصاً لتوقيع وقراءة المجموعة القصصية “حلقات متلظية” والرّواية “كارمالوف”، لكنّه تعدّى ذلك إلى عرض وتقديم نتاجات أخرى للكاتبة ـ القادمة من حمص ـ، كما ورد سابقاً، وبقيت “كارمالوف” من دون عرض أو قراءة “متلظية على الطّاولة”، كما أنّ السّمة الغالبة على القراءات هي الإيجابية في كلّ شيء وكيل المديح يمنة ويسرةً باستثناء ما قاله الدّكتور الشّاهر عن عدم وضوح المكان والزّمان في رواية “سمفونية عبّاد الشّمس”، أربعة كتب بغضّ النّظر عن جنسها الأدبي، من المعقول والمنطقي والواقعي أن يعتريها بعض اللغط، بعض الضّعف، بعض الهنّات، بعض الهفوات، لكن عبثاً، أمّا المؤلّفة فاكتفت بتقديم الشّكر والثّناء على الجهود المبذولة لإخراج الحفل، مع تقديم تعريف بسيط بكلّ كتاب، من دون الوقوف عند ما كيل من مديح!.