دراساتصحيفة البعث

لماذا ستفشل أهداف “إسرائيل” في غزة؟

عناية ناصر

تظهر نظرة سريعة على العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام الدولية مدى العجز الذي وصلت إليه “إسرائيل” في وضع خطة متماسكة لمستقبلها ومستقبل ضحاياها، فبينما تواصل تل أبيب شنّ حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، يبدو أنه ليس لديها أي فكرة عما يجب فعله سوى تدمير القطاع وشعبه. وحتى وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي قد يصبح مطلوباً رسمياً قريباً من قبل المحكمة الجنائية الدولية، أشار في مناسبات عديدة إلى أن “إسرائيل” ليس لديها خطة لما بعد الحرب في غزة، حيث قال غالانت بلغة واضحة في شهر أيار الماضي: “لقد كنت أثير هذه المسألة باستمرار منذ تشرين الأول، في مجلس الوزراء، ولم أتلق أي رد”. ويقترح آخرون أنه قد يكون لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة خطة، ولكن على حدّ تعبير صحيفة “واشنطن بوست”، إنها “خطة غير قابلة للتنفيذ” أو، وفقاً لـ”فوكس”: “ليست خطة على الإطلاق”.

إن “إسرائيل” والولايات المتحدة متفقتان تماماً بشأن الحرب نفسها، وحتى بعد أن بدأت واشنطن -حسب زعمها- في تحويل موقفها من الرغبة في استمرار الحرب، إلى مطالبة نتنياهو بإنهاء مهمته الدموية، استمرت الأسلحة الأمريكية في التدفق بالمعدل نفسه. ومع ذلك، فإن الأمريكيين غير مقتنعين بأن القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية حماس، ونزع السلاح بالكامل من غزة، والسيطرة على حدود غزة ومصر، وإغلاق وكالة الأونروا للاجئين هو النهج الصحيح.

ولا بدّ أن يكون نتنياهو قد أدرك هذا بالفعل، إن لم يكن منذ بداية الحرب، فعلى الأقل بعد مرور عام تقريباً على الإبادة الجماعية، حيث ظلت قواته المنهكة تنتقل من مرحلة إلى أخرى، معلناً “انتصارات تكتيكية” دون تحقيق هدف استراتيجي واحد في غزة. وبتقدير  قوات الكيان الإسرائيلي لقد أودت حربه التي دمّرت غزة بالكامل تقريباً إلى طريق مسدود. والقراءة الأكثر جدية للحرب، وفقاً لرئيس الوزراء السابق إيهود باراك، هي أنه على “إسرائيل” أن تضع حداً لها قبل أن “تغرق في هاويتها الأخلاقية”.

ومع ذلك، فإن المزيد من الخطط الوهمية، المتعلقة بكل من قطاع غزة والضفة الغربية، لا تزال تتسرب إلى وسائل الإعلام، حيث كان أول تسريب كبير عبارة عن تسجيل صوتي لخطاب ألقاه وزير إسرائيلي متطرف ومؤثر للغاية في حكومة نتنياهو، بتسلئيل سموتريتش، بقوله إن الأمر درامي للغاية.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، قال سموتريتش لمجموعة من المستوطنين اليهود الإسرائيليين في حزيران عن برنامج خطته والمتمثل في نقل سلطة الضفة الغربية من قوات الاحتلال إلى مجموعة من المدنيين تحت قيادة سموتريتش نفسه. والهدف هو الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات غير القانونية، ومنع أي استمرارية محتملة لدولة فلسطينية قابلة للحياة. والواقع أن الخطة جارية بالفعل، ففي 29 أيار الماضي عيّنت “إسرائيل” هيليل روث، وهو حليف لسموتريتش، نائباً له في الإدارة المدنية في الضفة الغربية.

إن الخطة الخاصة بغزة هي حلقة أخرى من حلقات العنف والقسوة، والتي تتألف من تعيين “حاكم غزة” الإسرائيلي، العميد إيلاد جورين، الذي أصبح “رئيساً للجهود الإنسانية المدنية” في القطاع في الثامن والعشرين من آب الماضي، وباستخدام مزيج من التكتيكات، بما في ذلك التجويع والضغط العسكري وما شابه ذلك، حيث يريد نتنياهو دفع سكان شمال غزة إلى الجنوب استعداداً لضمّ المنطقة رسمياً وإعادة المستوطنين اليهود، وهذه ليست الخطط الوحيدة التي تمّ تسريبها، أو تمّ التواصل بها علناً من قبل المسؤولين الإسرائيليين في بعض الأحيان.

كان المسؤولون الإسرائيليون في بداية الحرب، يدافعون علناً عن أفكار مثل التطهير العرقي لسكان غزة ونقلهم إلى سيناء، وكانت أيضاً الموضوع الرئيسي للمناقشة في برامج الأخبار المسائية الإسرائيلية، حيث تحدث بعض المسؤولين الإسرائيليين عن احتلال غزة بالكامل، بينما طرح آخرون، مثل الوزير الإسرائيلي عميحاي إلياهو، فكرة إسقاط قنبلة نووية.

لم تنجح خطة إخلاء غزة بالكامل، لأن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم، فضلاً عن ذلك فإن الإخلاء الكامل لشمال غزة لم ينجح أيضاً، ويرجع هذا جزئياً إلى أن “إسرائيل” كانت ترتكب مجازر بحق المدنيين في الشمال والجنوب بمعدلات متماثلة. إضافة إلى ذلك، فإن الخطط الإسرائيلية الجديدة لن تنجح في تحقيق ما فشلت الخطط الأصلية في تحقيقه، وذلك ببساطة لأن “إسرائيل” لا تزال تواجه العقبة نفسها، وهي صمود الشعب الفلسطيني.

في سياق ما سبق، يمكن تعلم الكثير من طبيعة المخططات الإسرائيلية، القديمة والجديدة، وخاصة حقيقة أن “إسرائيل” تعتبر الشعب الفلسطيني عدواً. ولا يمكن استخلاص هذا الاستنتاج فقط من خلال تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ نفسه، عندما قال إن “أمة بأكملها هناك مسؤولة عن الهجوم في 7 تشرين الأول، وليس صحيحاً أن المدنيين لم يكونوا… مدركين، أو غير متورطين”.

يبدو أن كلّ مخطط إسرائيلي تقريباً يتضمن استهداف أعداد كبيرة من الفلسطينيين، أو تجويعهم، أو تهجيرهم بشكل جماعي. وهذا يعني أن الحرب الإسرائيلية كانت دوماً حرباً ضد الشعب الفلسطيني، والفلسطينيون أنفسهم يدركون ذلك، ألا ينبغي لبقية العالم أن يدرك ذلك أيضاً وإيجاد حلول الآن؟.