تلاشي الغربة المكانية وطغيان النفسية في الأدب
حلب- أسماء خيرو
“مقاربة الغربة والاغتراب في الأدب العربي” كان عنوان المحاضرة التي نظمها اتحاد الكتّاب العرب فرع حلب بالتعاون مع مديرية الثقافة بحلب في مقر الاتحاد.
وأوضحت المحاضرة الدكتورة ضحى خرمنده -عضو الهيئة التدريسية في جامعة طرطوس- أنها تطرقت لهذا الموضوع ورغبت في تسليط الضوء عليه في محاولة لتجاوز أزمات الاغتراب النفسي التي تزداد في سورية يوماً بعد يوم، إذ إن الإنسان السوري حالياً يعيش حالة من حالات الاغتراب النفسي والمكاني، ومعظم الأسر السورية تعاني الاغتراب النفسي، ولا بدّ لها من التغلب عليه باعتباره فترة انتقالية ستمرّ بسلام، مبينةً أن الاغتراب هو شعور الإنسان في الغربة في وطنه، ولاسيما في وقتنا الحالي بعد أن تلاشت المسافة المكانية ولم تعد موجودة بفعل التكنولوجيا التي قرّبتها كثيراً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، ومضيفةً: “حتى بتنا لا نشعر بهذه المسافات، لكن هذا القرب المكاني قرّب فقط من المحادثات ليساهم في الوقت عينه في ابتعاد الأفكار بالإنسان واضطرام مشاعر الحنين والشوق إلى وطنه وبشكل أكبر مما كان قديماً، وهذا يعود إلى أن شعراء المهجر كان لديهم صورة واحدة عن الوطن، لكن وسائل التواصل الاجتماعي، اليوم، بما تبثّه من صور جميلة عن الوطن، هي تثير في أذهان المغتربين الحنين وتلهب الشوق والمشاعر والأحاسيس نحو الوطن وبطريقة أقوى مما كانت قديماً”.
وفرقت الدكتورة خرمنده بين مفهوم الغربة المكانية والابتعاد بشكل عام والاغتراب النفسي، متحدثةً عن ثلة من الشعراء في الأدب العربي، بدءاً من امرؤ القيس وطرفة بن العبد، مروراً بشعراء المهجر وشعراء العصر الحديث كمحمد الماغوط وممدوح عدوان وغيرهم من الذين عبّروا بالكلمة المرهفة الأحاسيس عن معاناتهم الغربة والاغتراب.
كما قدّمت رولا عبد الحميد عضو هيئة المكتب الفرعي لاتحاد الكتّاب العرب مقاربة جميلة عن نخبة من الأدباء الذين عبّروا عن الغربة تعبيراً فنياً مبدعاً من العصور القديمة حتى العصور الحديثة، منوهةً بأن الأديب بشكل عام سواء أكان كاتباً أم شاعراً كالذي كان ينقل معاناته وما يشعر به من اغتراب نفسي وانكسارات، إنما يمتلك مشاعر مرهفة ذات درجة عالية من الحساسية.
وفي حديث لـ”البعث” بيّن نذير جعفر رئيس فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب أن الغربة المكانية في وقتنا الحالي تقلّصت حدودها بفعل التطور التكنولوجي، ولم يعد هذا المفهوم بالأدب كما كان في الماضي حين كانت الدولة متباعدة تعاني انعدام وسائل الاتصال، والسفر يشكل خطورة، مشيراً إلى أن مفهوم الغربة المكانية عبّر عنها الكثير من الشعراء في سورية ولبنان، وكانوا من رواد أدب المهاجر، لكن في وقتنا الحالي تقلص وابتعد بشكل واضح ليحلّ محله الاغتراب النفسي ويزداد بحكم تعقيدات الحياة.
ولفت جعفر إلى أنّ الاغتراب النفسي موجود في الوطن، وقضية الاغتراب مسألة ذاتية بحتة، قد تنشأ عن عدم التناغم وانسجام الإنسان المبدع وخاصة مع محيطه الاجتماعي، لكونه يشعر بهذا التمايز عن هذا المحيط، وهنا ينشأ لديه الاغتراب، ويعبّر عن ذلك بالأدب بمختلف أنواعه من شعر وقصة.. وغير ذلك.