ثقافةصحيفة البعث

“قدنا المياس” أمسية طربية بامتياز صفوان العابد

ملده شويكاني

“أنا في سكرين من خمر وعين

واحتراق في لهيب الشفتين

لا تزدني بل فزدني

فتنة في الحاجبين”

كلمات الفتنة والغزل بصوت صفوان العابد وهو يغني قصيدة “في سكرين” يزداد سحرها وتأثيرها بالنفس، ولاسيما مع نغمات القانون والعود والفرقة المرافقة مع الكورال في الأمسية الحلبية ذات الطرب الأصيل التي قدمها على مسرح الأوبرا “قدنا المياس”، بتفاعل كبير من جمهور الطرب الأصيل وعشاق القدود الحلبية والموشحات التي أُدرجت باسم حلب الشهباء على قائمة التراث العالمي اللامادي.

وأظهرت الأمسية قوة التواصل مع التراث الغنائي الحلبي وعظمة مدرسة صباح فخري، التي ستبقى خالدة مع قلعة حلب.

غنى صفوان العابد بمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادته المؤلفة من الوتريات والقانون والعود والإيقاعيات الشرقية، وأبدع بالتفرد بالليالي والآهات التي ارتبطت بغناء الموشحات والطرب الأصيل بتدرجات مقامات صوته و اتساعها، واتسمت بالغنى الشعري بأبيات شعر التغزل بالمحبوب ووصف مفاتنه بأروع ما كُتب، فأخذت دورها بالمطلع تمهيداً لغناء الموشح، كما نوّع بأنماط الغناء بين القصيدة والطقطوقة والموشح والقدود، وبوصلات المقامات بين البيات والحجاز والصبا، وكان للقانون الحضور الأكبر بالصولو والمرافقة الغنائية.

وبعد افتتاحية سماعي من مقام حجاز كار ألحان جميل بيك الطنبوري، غنى موشح “نبه الندمان صاح” ثم الموشح الشهير “زارني المحبوب” ألحان سيد درويش على وقع الإيقاعيات:

زارني المحبوب في رياض الآس

روّق المشروب وملالي الكاس

ليصل إلى

ثغره المرغوب عاطر الأنفاس

فاز بالمطلوب من له قد باس

ومهّد لطقطوقة “ياناس أنا مت بحبي” لسيد درويش بقصيدة من أبياتها:

هان الهوى وتأوه الخفاق

وعلى هواك تنافس العشاق

وألحقها بالآهات وتدرجاتها بصوته بين  الارتفاع والانخفاض بمرافقة خافتة للعود والقانون، ليغني باللهجة المصرية وبجمالية الألحان وتدرجات الإيقاعيات:

ياناس أنا مت في حبي، جم الملايكة يحاسبوني، حدش كدا قال

أول سؤال سألوني عليه إيه السبب في لوم العزال

وانتقل إلى وصلات من المقامات الشرقية والقدود، بدأت بوصلة من مقام الحجاز “ملكتم فؤادي”:

ويحي من الخدين والجيد التي

سحر الخزامى عطرها الفوّاح

ثم وصلة قدود حلبية من مقام البيات والصبا، منها “أول عشرة محبوبي” و”القراصية” و”على الدنيا السلام” وبدت الفروقات اللحنية بين القدود والموشحات.

وأصغى الجمهور بشغف إلى أبيات سبقت قصيدة “أنا في سكرين” مع مرافقة خافتة:

مرض الحبيب فزرته

فمرضت من أسفي عليه

شُفي الحبيب فزارني

فشفيت من نظري إليه

مفاجأة الأمسية بغناء قصيدة بمرافقة القانون أهداها لروح الفنان الكبير صباح فخري سُبقت بالليالي “ياشوق رفقاً فالفؤاد يذوب” ونوّع بتدرجات غناء الفؤاد.

واختُتمت بـ”وابعتلي جواب وطمني” وتبعها بتفاعل كبير بـ”آه يا حلو”، و”يا جملو”، و”يا مسعد الصبحية” وودع جمهوره الكبير بارتجالات وبأجواء حماسية على وقع “بمية الدهب كتبنا يا حلب، إيه انت فجر الدني وإنت أم الطرب، إنت البطولة والبطولة الك”.

وقبيل الأمسية، أعرب صفوان العابد عن سعادته بلقاء جمهوره بالأوبرا، وبدأ الحديث من عنوان الأمسية “قدنا المياس”: “هي تسمية أطلقتها وحصلتُ على حقوق الملكية الفكرية عنها، لأن القدود الحلبية ملك لحلب حصراً وارتبطت ببيئتها ولكنتها، وكل مدينة لها تراثها، لكن القدود حلبية وحتى الموشحات فازت على الأدوار المصرية، فأسياد من لحن الموشحات الشيخ عمر البطش والشيخ بكري الكردي وغيرهما، وأنا تعلمت تلحين الموشحات من الراحلين الكبار ولحنتُ قرابة أربعين موشحاً، بالإضافة إلى بعض القطع والطقاطيق التي من روح القدود، وأمسية اليوم طربية بامتياز من الدور إلى القصيدة إلى الموشح والقدود الحلبية”.

ثم توقف عند الارتجالات التي سيقدم فيها جزءاً من ألحانه التي تلامس روح الطرب وترتبط بالنفحة الطربية الأصيلة المعبّرة عن مدينة حلب، منها “يللي أمان” التي قدمها بمسلسل سيرة الجلالة مع المايسترو طاهر مامللي، و”آه يازماني”.

وتابع عن أهمية الحفاظ على التراث الغنائي الحلبي، مستحضراً تجربته بـ”نادي شباب العروبة” الذي يشغل رئيس مجلس الإدارة فيه، وقد تأسس هذا النادي منذ عام 1957 على أساس الطرب فقط، ويوجد تعاون بين النادي ونقابة الفنانين للعمل بروح واحدة بمسابقات بعملية نبش للقدود والموشحات التي لم تغنَ.

وانتقل العابد للحديث عن تاريخ القدود الحلبية التي يعود أصولها إلى مقطوعات دينية وصوفية ركُبت على ألحانها مفردات الغزل البسيطة التي يفهمها عامة الناس، فأحبوها وسكنت قلوبهم.

ونوّه بأن جمهور الطرب الذواق ما يزال كبيراً وحاضراً بالمشهد الفني، وأضاف: “لا أقصد باللون الطربي الموشحات فقط، إنما كل أنواع اللون الطربي، فأكبر مبيعات لكوكب الشرق أم كلثوم والكبير صباح فخري حتى الآن، ما يدل على أن الطرب الأصيل متوارث وينتقل من جيل إلى آخر”.

ومن دار الأوبرا نقول إن تراثنا الغنائي الحلبي جزء من تراثنا وحضارتنا ويجب المحافظة عليه خوفاً من السرقات.