تطور المشهد السياسي في الانتخابات الأمريكية
د.معن منيف سليمان
كانت غزة حاضرة في المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكية في أول مواجهة بين كامالا هاريس، ودونالد ترامب، وإن كانت لدقائق معدودة، لكن كان الرهان في المناظرة محسوماً لصالح الكيان الصهيوني، فالطريق إلى بوابة البيت الأبيض يبدأ من يافا “تل أبيب”. ذلك أن كلا المرشحين أعلن دعمه وحمايته للكيان وأمنه، بل زايد ترامب على هاريس بأنها تكره الكيان، وردّت هاريس بتأكيدها دعم الكيان.
تبدّدت منذ زمن بعيد فكرة أن الولايات المتحدة وسيط نزيه في الشرق الأوسط، فبعد المساعدات العسكرية التي تجاوزت 14 مليار دولار من الولايات المتحدة للكيان، لم يعد هناك ثقة في نزاهة الوسيط الأمريكي، سواء كان الرئيس المقبل هو ترامب أو هاريس. فالنخبة الأمريكية، بل وفى العالم، تعلم أن اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط اليهودية تسيطر على العملية الانتخابية الأمريكية المعقدة، في الوقت الذي أخذ العرب والمسلمون يشكلون قوة انتخابية يحسب لها حساب.
ففي أمريكا هناك ما يعرف بالولايات المتأرجحة، أو ولايات المعارك الانتخابية، وهي الولايات التي يحظى فيها المرشحون الديمقراطيون والجمهوريون بمستويات متشابهة من الدعم بين الناخبين والناخبات، ما يجعلها حاسمة للفوز بالهيئة الانتخابية. وفى الانتخابات المقبلة 2024، تبرز ولايات مثل “ميشيغان” و”بنسلفانيا” و”جورجيا” وو”يسكونسن” و”أريزونا” كساحات معارك رئيسة، وسيكون الفوز بهذه الولايات هو الفارق بين النصر والهزيمة في السباق الرئاسي. إذ تقوم مرشحة الحزب الديمقراطي هاريس، ومنافسها مرشح الحزب الجمهوري ترامب، بتكييف حملاتهما لجذب فئات ديمغرافية متنوعة، بما في ذلك المجتمع الأمريكي المسلم، ويعنى تركز هذا المجتمع في الولايات المتأرجحة أن إقبالهم وتفضيلاتهم يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نتيجة الانتخابات.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في عام 2024، أدت الأحداث الجارية، وخاصة الصراع الدائر في غزة، إلى زيادة التركيز على الناخبين الأمريكيين المسلمين. ويشعر الكثيرون في هذا المجتمع بارتباط قوي بالقضية الفلسطينية، ويتحدثون بشكل متزايد عن أولوياتهم السياسية. وأشارت دراسة حديثة إلى أن 61 بالمئة من الناخبين المسلمين في الولايات المتأرجحة يعطون الأولوية للصراع في غزة على قضايا أخرى، مثل الرعاية الصحية والاقتصاد.
وقد أدى هذا التحول في الأولويات إلى خيبة الأمل بين بعض الناخبين المسلمين فيما يتعلق بالحزب الديمقراطي، وخاصة في ضوء الدعم الثابت الذي قدمه الرئيس جو بايدن للكيان خلال الصراع في غزة، فقد منح المسلمون أصواتهم في ولايات حاسمة للرئيس الحالي بايدن، وشغلوا دوراً كبيراً في وصوله إلى البيت، لكنه لم يعرهم أي اهتمام – عملياً – عندما اندلعت الحرب في غزة، ولكن هذه المرة فإن المسلمين الذين لا يثقون كثيراً في ترامب، وقد خاب ظنهم في إدارة بايدن، وبينها هاريس، عندما عجزت عن إيقاف الحرب على غزة، حسموا أمرهم ودفعوا بأصواتهم نحو مرشح ثالث، وهي مرشحة حزب الخضر جيل ستاين التي تدعم قضية فلسطين علناً.
ومع استمرار تطور المشهد السياسي، من المرجح أن يصبح دور الناخبين المسلمين في الانتخابات الأمريكية أكثر وضوحاً، فالمشاركة السياسية المتزايدة من جانبهم، إلى جانب تركزهم في الولايات المتأرجحة، يضعهم في موقع الفئة الديمغرافية الحاسمة للمرشحين الساعين إلى النجاح الانتخابي. ومع استمرار هذه الجالية في تأكيد صوتها السياسي، قد يجد المرشحون الذين يستمعون إلى احتياجات تلك الجالية تحديداً ويستجيبون لها، أنفسهم في وضع أفضل لضمان الفوز في المشهد السياسي الأمريكي المتزايد التنافسية.
ومع ذلك، أظهر استطلاع رأي أجراه مجلس العلاقات الإسلامية (كير) تقدم مرشحة حزب الخضر في ثلاث من الولايات السبع المتأرجحة بشكل كبير، حيث حصلت على دعم 40 بالمئة من أصوات المسلمين في ولاية ميشيغان، مقابل 18 بالمئة لـ ترامب، و12 بالمئة لـ هاريس.
كما حصلت ستاين على 44 بالمئة من أصوات المسلمين والعرب في ويسكنسون، مقابل 39 بالمئة لـ هاريس، و8 بالمئة لـ ترامب. وفي أريزونا أيضاً حصلت مرشحة حزب الخضر على 35 بالمئة من أصوات المسلمين، مقابل 29 بالمئة لـ هاريس، و15 بالمئة لـ ترامب.