قانون الاحتراف الجديد.. إيجابيات بالجملة وسلبيات غير مؤثرة
ناصر النجار
محاور كثيرة يمكننا استعراضها اليوم قبل انطلاق الموسم الكروي الجديد، وهي محاور مهمة منها ما هو متعلق بالأندية ومنها ما هو متعلق باتحاد كرة القدم ومنها ما هو خاص بالمكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام.
المحور الأول مرتبط بالعلاقة مع الأطراف الثلاثة، وهو قانون الاحتراف المركزي الجديد، فالمكتب التنفيذي أو اللجنة الأولمبية السورية لا تهم التسمية لأنهما وجهان لعملة واحدة أصدر قانون الاحتراف الجديد، واتحاد الكرة صادق عليه وهو المعني بآلية تنفيذه وتطبيقه على الجميع، والأندية عليها الالتزام به وتطبيق كل بنوده.
القانون بكل مفرداته وتفاصيله سيجد الكثير من الصعوبات في تنفيذه عند الأندية، لأنها من خلال التطبيق ستردم مخالفات ارتكبتها في السنوات السابقة وستعيد نظرتها إلى كرة القدم من ناحية الاستراتيجية التي ستسير عليها مستقبلاً، فالأندية اعتادت على الاحتراف العشوائي، واعتادت على التملص من وعودها وعقودها والتزاماتها، وكل إدارة راحلة كانت تورث الإدارات الجديدة ديون النادي المؤجلة وجملة من الخلافات مع اللاعبين والمدربين واتحاد كرة القدم ومع الشركات والموردين والفنادق والمطاعم والمستثمرين أيضاً.
لذلك ستعمل الإدارات الجديدة على تصحيح الوضع المالي والإداري والتنظيمي لأنديتها، لتحصل في أول خطوة على البراءة المالية من كل الجهات، ولتضع خططها الكروية الجديدة وفق منظور الاحتراف الجديد.
قانون الاحتراف الجديد وضع حداً لشطط الأندية، فألزمها بالعناية بما تملك من لاعبين سواء كانوا من أبناء النادي الحقيقيين أو من الوافدين الجدد، فلم يعد بإمكان الأندية التسوق على المرتاح، وبات هذا التسوق محدوداً بالسعر والعدد، وإذا كان موضوع السعر لا يمكن ضبطه فإن ضبط العدد كافي للإقلاع بهذا القانون المميز، ومحاولات الأندية ما زالت جادة لفتح ثغرة في هذا القانون من أجل رفع العدد أو اعتبار الخمسة المسموح بهم من خارج النادي من هم في الملعب، ويمكن أن يكون لديهم بدلاء خارج الملعب، كما كان التعامل سابقاً بالتعاقدات مع اللاعبين المحترفين الأجانب، لكن لا هذا ولا ذاك سيتحقق وسيطبق القانون كما صدر بشكله النهائي.
هناك الكثير من الإيجابيات يحملها القانون الجديد وهناك بعض السلبيات التي لا بد منها، ونبدأ من الإيجابيات.
أولى الإيجابيات أن القانون حد من هدر المال لأنه وضع حداً لأسعار اللاعبين، فعندما كان الانتقال حراً كان اللاعب يجد مكاناً في أي نادٍ ويضع شروطه وما إلى ذلك، اليوم صارت المقاعد المخصصة للانتقال محدودة وبالتالي فإن اللاعب الذي لا يقبل به ناديه لن يجد مكاناً آخر، فهبطت النفقات التي تخص العقود إلى أكثر من النصف.
ثاني الإيجابيات يكمن بالتوزيع العادل للاعبين المميزين بين الأندية، فلم يعد هناك استئثار باللاعبين من نادٍ واحد، وهذا بالتالي يفتح المنافسة المشروعة بين الأندية على اللقب ويجعل الدوري أكثر إثارة ومنافسة من ذي قبل، وهذا الأمر كان ملموساً في السنوات السابقة عندما كان الدوري بقبضة من يحتكر اللاعبين وقادر على إغرائهم بالمال.
ثالث الإيجابيات أن الأندية بادرت إلى الاحتفاظ بلاعبيها، بل إنها استرجعت العديد من اللاعبين الذين غادروها سابقاً إلى أندية أخرى، وذلك لتستكمل كشوفها، وكما وجدنا في دورة الوفاء والولاء كيف أن فرق اللاذقية الثلاثة قد أشركت الكثير من اللاعبين الذين طالهم الإهمال في السنوات السابقة، وهذه نقطة إيجابية تصب في مصلحة الأندية بشكل خاص ومصلحة كرة القدم بشكل عام.
رابع الإيجابيات أن العديد من الأندية أطلقت العنان لبعض لاعبيها الموهوبين الذين هم في سن الشباب أو سن الأولمبي، وذلك لإغلاق كشوفها أولاً وللاستفادة من هؤلاء اللاعبين بعد أن كانوا في السنوات السابقة على مقاعد الانتظار، وهذا الأمر بحاجة إلى قناعة من إدارات الأندية لتصب اهتمامها صباً على فرقها القاعدية التي تملك ذخيرة كبيرة من اللاعبين الموهوبين والخامات الواعدة ليكونوا رجال المستقبل ودم النادي النظيف، والأمثلة الجاهزة منتخبا الناشئين والشباب وقد وجدنا المنتخبين يضمان لاعبين متميزين ينتظرهم مستقبل واعد، وهؤلاء بعددهم الكبير يشكلون رافداً مهماً وقوياً لكرتنا وأنديتنا معاً.
بالتأكيد لكل شيء إذا ما تم نقصان والقانون رغم أنه يحمل الكثير من الإيجابيات إلا أنه يحمل بعض السلبيات وهي بسبب وجود القانون لا لوجود ثغرات في القانون، فعملية تطبيق فقرة الخمسة لاعبين من خارج النادي تجعل القانون مضطراً لتسريح العديد من اللاعبين الذين لن يجدوا مكاناً لهم في الأندية الممتازة، وسنجد مع اقتراب الموعد الرسمي للدوري أن هناك العديد من اللاعبين الملتزمين مع أنديتهم سيجدون أنفسهم خارج النادي بسبب مفاضلة الأندية بين اللاعبين الخمسة، ومن الطبيعي ألا يجد هؤلاء نادياً فيه شاغر بهذا التوقيت، وهذه المشكلة ستجد الحلول المناسبة مستقبلاً بعد أن تعتاد الأندية على هذا القانون.
البعض ألمح من باب سلبيات القرار أن ما تم اتخاذه من قرارات بشأن الاحتراف غير معمول به بالكثير من الدول ومنها دول عربية، فلماذا نضع العراقيل بوجه أنديتنا، والجواب أن هذه الأندية التي يقصدها السائلون هي أندية ميسورة تملك موارد كبيرة واستثمارات عظيمة ولا تحتاج إلى المال من أحد، لذلك تم فتح باب الاحتراف على مصراعيه، لأسباب فنية وتسويقية، والأندية هذه تضع في حسبانها ميزان الربح والخسارة قبل كل موسم، وحتى نصل بأنديتنا إلى المستوى الذي وصلت إليه هذه الأندية فيمكن أن نرى نخبة لاعبي العالم تلعب بالدوري المحلي.
المحور الثاني الذي يتعلق بالمحور الأول ومرتبط به ارتباطاً وثيقاً هو الحالة العقدية بين إدارات النادي والداعمين، وللأسف لا نجد هنا أي قانون أو ألية عمل تجعل الداعم ملتزم بما وعد به، وكما نعلم جميعاً أن الكثير من الداعمين اشترطوا ليدعموا الأندية أن يكونوا رؤوساء الأندية أو صاحبي القرار الأول فيه، دون ان يكون هناك أي تعهد (على الأقل) من الداعم لتنفيذ ما وعد به من دعم للنادي، ونحن نجد أن الداعمين اليوم يبرمون العقود ويفرضون رأيهم، وعند وجود من يخالفهم يهددون فوراً بالاستقالة والابتعاد عن النادي، وهم بهذه الطريقة وهذا الأسلوب يمسكون النادي من اليد التي تؤلمه، فيبقى النادي أسير هذا الداعم ليفعل به كيفما شاء!
في الدرجة الأولى يجب أن يكون هناك التزام من الداعم بكل العقود والوعود التي صرح بها أو وقعها النادي، والقضية ليست ربط كلام، بل تحتاج إلى عقد مصدق، ليلتزم الداعم بما وعد به.
أسلوب نادي أهلي حلب قد يكون هو الأفضل من خلال وجود عدة شركات راعية تعرف ما لها وما عليها، وضمن العقود المبرمة مع النادي هي مسؤولة عن تنفيذ ما وعدت به لأن العقد شريعة المتعاقدين، وإذا أخلت بعض الشركات بتنفيذ عقودها فإن القانون سيأخذ مجراها ولن يتورط النادي في هذه الحالة.
أما الداعم الفرد فهنا تكمن المشكلة لأنه لا يوجد أي اتفاق بين الداعم والإدارة، وكل شيء عبارة عن وعود قد تمحى بلحظة ما، وهذه حالة سلبية عانت منها الأندية كثيراً في المواسم السابقة، فالداعم الذي يأتي بداية الموسم ويطلق الوعود ويوقع العقود باسم الأندية قد لا يستمر إلى نهاية الموسم لأسباب عديدة منها أسباب شخصية ومنها عدم قدرته على الدفع، وبذلك يتم توريط النادي ليتابع المشوار الذي بدأه الداعم، وعلى الاغلب فالأندية غير قادرة على استكمال هذه العقود لأنها بالأصل مفلسة، وكما يعلم الجميع فإن الكثير من أنديتنا متورطة بمبالغ كبيرة عليها أن تدفعها لبعض المدربين واللاعبين الذين وثقوا عقودهم بطلب من الداعم الذي دفع الدفعة الأولى وترك الباقي على النادي.
ومن سيئات الداعم أنه يظن نفسه اشترى النادي، فيتدخل بكل صغيرة وكبيرة فيه، وللأسف فإن أكبر داعم ليس لديه القدرة على شراء باب النادي!
لذلك ومن اجل أن تكون العلاقة بين الأندية والداعمين علاقة شراكة استراتيجية، فالمفترض أن توقع العقود مع الداعمين لكي يلتزموا بمبلغ الدعم وطريقة الدعم، وأن يتم كل ذلك عن طريق البنك، فالداعم يضع ما عليه في البنك والنادي يتصرف من خلال هذه المبالغ، وهذا يحتاج إلى قرار من القيادة الرياضية ليلتزم كل الأطراف بمهامهم ومسؤولياتهم.