إعلانات “سوبر ماركت” الدروس الخصوصية تغزو صفحات التواصل.. والتكلفة بعشرات الملايين!!
حماة – ذُكاء أسعد
مؤلم جداً أن يصبح الذهاب إلى المدرسة مجرد نزهة أو فرصة لتضييع الوقت عند غالبية لا بأس بها من الطلاب باتت تتفاخر بأنها تتلقى دروساً خصوصية عند المدرّسين الأعلى أجراً، ولا حاجة بها للتعلّم في المدرسة!
وللأسف عاماً بعد عام يكثُر الاعتماد على الدروس الخصوصية، وإعلاناتها اليوم تتصدّر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وتتوجّه لكافة مراحل التعليم ومناهجه، وفي كثير من الأحيان لا يستثنَى من المنهاج سوى مادتي التربية القومية والدينية، والخطير في الأمر أن “أساتذة الفيسبوك” بعضهم غير مؤهل، ومع ذلك ركبوا الموجة مستغلين حاجة الأهالي لتقديم أفضل العلوم لأبنائهم، بعد أن فقدوا الثقة بالمدارس، وهذا مؤشر خطير من المفروض أن يستنفر المعنيين في الأمر مع تفشي هذه الظاهرة التي تستنزف الجيوب وتساهم في تدهور الواقع التعليمي والتربوي!.
أرقام كبيرة
في بحثنا واستقصائنا عن قيمة أجور الدروس، ذكر الأهالي أن الأسعار فلكية، ففي الريف تتراوح أجور مادة الرياضيات للتعليم الأساسي بين 500 ألف ليرة و800 ألف سنوياً، أما مادة الاجتماعيات، فتتجاوز الـ 700 ألف، وبالتأكيد تتضاعف هذه الأسعار بالنسبة للشهادة الثانوية، وكذلك في المدينة التي تعتبر أسعارها أعلى من الريف، وفي حسبة بسيطة تبلغ أجور الدروس الخصوصية 7 ملايين على الأقل سنوياً في ظلّ حاجة الطالب لـ 6 مواد دون احتساب مادتي القومية والديانة.
سوبر ماركت
يرى نقيب المعلمين في حماة سابقاً، ومدرّس اللغة العربية، هشام حسن، أن المدرسة هي المؤسّسة الوحيدة المسؤولة عن التعليم، حيث تتوفر بها كلّ الأدوات والوسائل والمتطلبات التعليمية، وعلى رأسها المعّلم، ذلك الإنسان المسؤول عن المسألة التعليمية والتربوية، لكن تدخل الأهل بالجانب التعليمي وتخليهم عن الشراكة التربوية، جعل الطلاب ينظرون إلى المدرسة على أنها تجمّع بشري يؤهلهم لخوض الامتحانات قانونياً فقط، وبدأ الأهل بالبحث عن بديل تعليمي يحوّل العلم إلى مال بدلاً من نظرية العلم للعلم، فأصبحت الدروس الخصوصية بديلاً عن التعليم المدرسي، وموضة للتباهي والتفاخر بحكم الفوارق الطبقية مادياً، وهكذا أصبح التعليمُ سلعةً استهلاكيةً تُشترى بالمال، أضف إلى ذلك تشجيع أصحاب النفوس الضعيفة الجاهلة من بعض المعلمين والمدرّسين الفاشلين أخلاقياً وعلمياً وتربوياً عن طريق إيهام الأهل بأن السلعة التعليمية تكمن قيمتها بغلائها، متناسين أن العلم مرتبط بالجانب التربوي، وبهذا تمّ الفصل بين هذين المكونين، مما انعكس سلباً على طبيعة العمل المدرسي وفقدت المدارس قيمتها لوجود البديل وهو “سوبر ماركت” التعليم في المنزل، سواء من الطالب أو المدرّس الذي قد يكون غير مؤهل لا للتعليم ولا للتربية!!
مسببات
وبيّنت المرشدة الاجتماعية فاديا العلي أن جهل أولياء الأمور باحتياجات أبنائهم التعليمية وتقليد الآخرين والمنافسة فيما بينهم في إرسال الأبناء لتلقي الدرس الخاص، هو من حوّل التعليم من رسالة إلى مهنة، ومن حاجة إلى تفاخر، إضافة إلى ضعف أداء بعض المعلمين داخل الصف بسبب عدم تمكنهم من المادة العلمية أو لفقدانهم أسلوب وفنيات إيصال المعلومة وعدم مواكبة المعلم للتغيّرات العلمية والتكنولوجية أو بسبب فارق العمر والتباعد بين الأجيال بسبب تسارع التطورات.
هيبة الأستاذ
قلّة قليلة من المعلمين الحقيقيين يصارعون لإقناع الطالب أو أولياء الأمور بأن المدرسة هي المكان الوحيد والأفضل للتعليم، لكن عبثاً يحاولون، فقد أكد المدرّس حسن أن المعلم فقد مكانته وقيمته، وذلك بسبب تخلي الأهل عن الجانب التربوي وانقطاع العلاقة بين المكونين الأساسيين للتعليم (الطالب المتعلم والمدرّس المعلم)، فسقطت هيبة المعلم ومكانته في المدرسة بسبب أولياء الأمور جنباً إلى جنب مع غياب القوانين والأنظمة التي تحدّد عمل المدرّس حصراً ضمن المدرسة، ووضع قوانين تنظّم الدرس المنزلي “الخصوصي” من حيث الأجر وأحقية ممارسة التعاطي مع الدرس الخصوصي من المعلمين والمدرّسين وفق ترخيص رسمي يحدّ من هذه الظاهرة أو الموضة غير المنضبطة، لا أخلاقياً ولا علمياً ولا مادياً، مشيراً إلى أن الأدلة تؤكد أن الدروس الخاصة لا تغيّر من مستوى الطالب العلمي، بل على العكس تؤدي إلى مخرجات غير وطنية ولا تربوية ولا علمية بل تجارية أشبه بتجارة الممنوعات، إذ تُعلّم الخريج المدرسي أو الجامعي على الكسب غير المشروع بسبب سقوط الجانب التربوي الذي تخلّى الأهل عنه وأبعدوا أبناءهم عن المؤسّسة المسؤولة معهم وهي المدرسة.
تسلط المتعلم!
وترى المرشدة الاجتماعية العلي أن ضعف شخصية المعلم بسبب الفوارق الاقتصادية بينه بين الطالب أدّى إلى تسلّط المتعلم على المعلم والتعالي عليه وضياع هيبته ومكانته في المدرسة، إضافة إلى فقدانه للحصانة التي كان يتمتّع بها من قبل وزارة التربية وحماية حقوقه وكرامته ومنع التعدي عليه، أو من قبل الأهل عندما كان يعتبر صاحب رسالة مقدّسة، ومن المؤسف حقاً أن تحلّ العلاقة المادية بين الطالب والمعلم مكان العلاقة الإنسانية، ليصار إلى تمادي الطالب ووضعه تسعيرة لكل معلم في ظلّ وقوف القانون بجانب الطالب، فيما أكدت غروب سلهب “معلمة لغة عربية” أن ضياع هيبة الأستاذ يعود لعدم وجود حماية له وعدم القدرة على صون حقوقه، فكم من حالة تمّ فيها الاعتداء على معلمين داخل المدارس لفظياً أو جسدياً دون وجود لوائح وأنظمة تحافظ على حقوقهم وتصون كرامتهم.
ضمير غائب
ندرك جميعاً أن للتعليم قدسية ورسالة عظيمة، وهي مسؤولية غير آنية يتحمّلها المعلّم مدى حياته وحتى بعد وفاته، فإن أدّى رسالته بإتقان ينشئ جيلاً صالحاً يترك ذكرى عطرة على مدى عقود، لكنه قد يدمّر جيلاً بأكمله بأقل غفوة ضمير، وفي ظلّ غياب الضمير برمته لدى بعض المعلمين في المدارس، يبدو أن هذا الجيل قد يشذّ عن الطوق وهو متشبّع بمبادئ ومفاهيم لا تنسجم مع خصوصية مجتمعنا!.
وفي هذا السياق أكد مدير التربية في حماة /تكليفاً/ موسى المحمد أن الدروس الخصوصية ممنوعة وغير قانونية، داعياً أولياء الأمور والطلبة لتقديم شكوى عن أي حالة أو تقصير في أية مدرسة، مع تحديد المكان أو اسم المدرسة، ليتمّ إرسال التوجيه للتقييم وإحالة الشكاوى إلى الرقابة والتفتيش وفرض العقوبات القانونية.
إهمال
بالمحصلة.. هناك تراخٍ، فيما يتعلق بضبط الدروس الخصوصية، عزّزه الإهمال والغياب الكبير لدور أولياء الأمور في التعليم، ولا يقتصر الإهمال على التعليم فقط، وإنما التربية أيضاً، فبعضهم غير قادرين على ضبط أبنائهم وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، وفي ظل تسارع التطورات التكنولوجية، نرى انشغال الطالب بالجوال وكل ما هو جديد من برامج سيئة تؤدي لتخريب عقله وضميره وعدم إدراكه ما يضرّه وينفعه، ولاسيما مع وجود أصدقاء السوء، وولوج أي جديد دون إدراك ماهيته وتداعياته.
لذا فالجميع ملام والمسؤولية جماعية، لذلك لا بدّ من وجود نهج جديد تلتزم به وزارة التربية وتلزمه للآخرين مع إيلاء المعلّم الأهمية الأولى وإنصافه وتحسين معيشته بما يوازي مجهوده، ومن ثم فرض ضوابط وعقوبات صارمة على كل مدرّس متقاعس، فالجيل أمانة، ولولا المعلم ما كان الأطباء والمهندسون والعمال المهرة، والفنيون، وغيرهم من العاملين في قطاع الإنتاج.