الزراعة الاستوائية.. تجارب فردية ناجحة مبدئياً وتوسعها ينذر بخسائر مستقبلية
دمشق – زينب محسن سلوم
انتشرت في الآونة الأخيرة زراعة الفواكه الاستوائية، وخاصة في مساحات واسعة من الساحل السوري وبشكل ملفت للنظر، وعلى حساب محاصيل متعدّدة، من أهمها الحمضيات والزيتون، وبأنواع مختلفة كالدراغون والقشطة والموز، ويسارع الفلاح إلى زراعتها سعياً وراء عائدية الربح العالية من تلك الزراعات، وخاصةً بعد التدهور الحاصل في تسعير المواسم وعدم تحقيقها لهامش الربح الذي يأمله الفلاح لإعالته وتأمين مستلزمات معيشته.
الخبير الزراعي إبراهيم إسماعيل أشار إلى أننا نتجه نحو طريق خطير من عدم تنظيم تلك الزراعة، من حيث المساحة والأنواع والكميات، مؤكداً أننا وبعد فترة وجيزة لن تتعدى ثلاث أو أربع سنوات، وخاصة في ظل استمرارية الإقبال على الزراعات الاستوائية على هذه الوتيرة، سنجد أنفسنا أمام واقع وجود فائض كبير من إنتاج تلك الزراعات، التي ستباع بأسعار أقل من عادية بعد أن يغلب العرض حجم الطلب، بل الأخطر أننا سنضطر لاستيراد الحمضيات، وهي مادة أساسية ودواء لأمراض التنفس والشتاء، والزيتون وزيته اللذين يدخلان في جميع أنواع الطعام، وغيرها من المنتجات الزراعية الأساسية والمهمّة لكل عائلة وعلى مدار السنة.
من جهةٍ ثانية، ذكّر إسماعيل أن تلك الفواكه تتأثر بالمناخ وعوامل الجو، خاصة وأنها تزرع في أجواء مغايرة للأجواء التي نشأت فيها، ما يؤثر على الإنتاج ومواصفات النبات وشكله وطعمه، بل الأخطر قد يكون عرضة لخسارة موسم أو عدة مواسم أو تيبس عند حدوث أي تغيّر مناخي صيفي كالجفاف، أو شتوي كموجات الصقيع، مشيراً إلى أن العديد ممن قاموا بتجربة تلك الفواكه، وخاصة الدراغون لاحظوا أنها لا تحمل أي نكهة أو طعم، وأنها تجربة أولى لعدد من المستهلكين لكنها بالتأكيد لن تتكرّر، وهي إن حققت الربح الكبير فسيكون بلا شكّ ربحاً عابراً.
بدوره، أكد رائد حمزة، مدير المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة، في لقاء خاص مع “البعث”، أن النباتات الاستوائية من نباتات المناطق الحارة الاستوائية والمدارية، وتضمّ قائمة واسعة من الأنواع النباتية التي تتطلّب احتياجات مناخية توفرها تلك المناطق. وفي السنوات الأخيرة، بدأت هذه الأنواع بالامتداد شمالاً، ودخلت إلى بيئات مناخية غير بيئتها الأصلية، حيث نجح البعض فيما فشل آخرون في زراعتها، إلا أن هذا النجاح يبقى مرهوناً بالعوامل المناخية واستقرارها. وللأسف، فإن هذه النباتات حسّاسة للانخفاض المفاجئ في درجات الحرارة، وخاصة إن هبطت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر ولساعات عدة، وبالتالي فهي حساسة لموجات الصقيع والتي تكون متكررة في الساحل السوري، وخاصة لنباتات “الأفوكادو”، أما “الدراغون” فهو أصعب من ذلك، إذ لا يتحمّل درجة حرارة أقل من (10 درجة مئوية)، أما الموز فيتطلب درجة حرارة مثلى بين (25-40 درجة مئوية)، ورطوبة بين (80-90%)، مع ملاحظة حساسيته العالية لانخفاض درجات الحرارة عن 10 درجة مئوية، حيث تؤدي إلى موت كليّ عند درجة الصفر المئوي، كما أشار حمزة إلى أنه بشكل عام فإن أغلب هذه الأنواع النباتية مدخلة وغريبة عن البيئة السورية، ومتطلباتها البيئية مختلفة قد تجدها بحدودها الدنيا، فيمكن أن نلاحظ نمواً خضرياً جيداً وإثماراً جيداً، لكن الثمار لن تصل عند النضج إلى حدودها المثلى، وذلك لعدم توفر الظروف البيئية المثلى لنضج الثمار وخاصة درجات الحرارة.
ولم يخفِ حمزة المشكلات المرضية والآفات المرافقة لكل محصول كعامل محدّد للزراعة، فعلى سبيل المثال تعتبر الجوافة من الأنواع الحسّاسة جداً لذبابة الفاكهة، بل تشكل بؤرة لانتشار هذه الحشرة، وانتقالها إلى المحاصيل الأخرى المهمّة مثل الحمضيات، كما أن المانجو يعدّ من الأنواع الحسّاسة لذبابة ثمار الدراق (وهي آفة حجرية في سورية)، وبالتالي انتشار المانجو قد يشكل بيئة لدخول هذه الحشرة المدمرة لزراعة الدراق، أما بخصوص العائدات التي تحققها هذه الزراعات وخاصة لكون أسعار تلك الفواكه تتعدى في معظم أنواعها حاجز الـ١٥ ألف ليرة للحبة الواحدة، فقد نوّه حمزة بأن ارتفاع أسعار هذه المنتجات الزراعية يعود بالدرجة الأولى إلى انخفاض المعروض منها، إلا أن التوسع في زراعتها سيقود حكماً إلى ارتفاع الإنتاج، وبالتالي زيادة المعروض وانخفاضاً في أسعار هذه المنتجات، وفي حال استمرارية التوسع فالأسعار ستنخفض إلى ما دون عتبة الجدوى الاقتصادية، خاصة وأن هذه المنتجات غير منافسة في الأسواق الخارجية في حال تمّ تصديرها مقارنة مع دول الموطن الأصلي لها، كما أنه لا توجد دراسات جدوى اقتصادية لها نظراً لكونها غير واردة في الخطة الزراعية، بل تعتبر مجرد مبادرات فردية غير منظمة، ولكن يمكن القول، إنها تحقق عائداً اقتصادياً في الوقت الراهن كون المنتج منها لا يزال محدوداً جداً، حيث بلغت مساحة أهم المحاصيل الاستوائية المكشوفة مثل (الموز والأفوكادو والكيوي والباباي) خلال موسم 2023-2024 نحو 102 هكتار، في حين بلغ عدد البيوت المحمية المزروعة بالزراعات الاستوائية نحو 4200 بيت مزروعة بالموز، ونحو 985 بيتاً مزروعة بالأنواع الأخرى، بينما بلغ العدد الإجمالي للبيوت المحمية المستثمرة نحو 197 ألف بيت، أي تشكل حتى الآن ما نسبته 2.8% من إجمالي عدد البيوت المحمية، كذلك لفت مدير السياسات إلى أن وزارة الزراعة تدرس حالياً هذه المسألة بجدية لوضع ضوابط ومعايير، وتحديد المحاصيل التي يمكن أن تعتمد وتنظم وفق تلك الضوابط والمعايير.