صحيفة البعثمحليات

في ركام التكرار…!

بشير فرزان

لا بدّ من التأكيد على أن تقبّل الناس، وبكلّ رحابة صدر، لذلك الاعتراف المتكرّر من المؤسّسة التنفيذية، حول تعرّض سلتها الخدمية والمعيشية لضربات موجعة نتيجة الأوضاع والظروف المختلفة، لم يعد مجدياً، خاصة وأنه بدأ يأخذ منحى التغطية على الأخطاء وضعف الأداء والانغماس في نشوة خادعة من الإنجاز ووهم التقدّم على جبهات تحسين الوضع المعيشي، والانتقال بحياة المواطن من القلة إلى الحدية المعيشية التي أصبحت هدفاً حكومياً لا يقلّ، من حيث تداعياته الاقتصادية وتراكم هفواته التنفيذية، عن محدودية هدف تحقيق الحدية في بعض شركات القطاع العام، من خلال عمل إنتاجي خلبي وتدوير لأرقام المخازين من تقرير إلى آخر.

ولا شكّ أن المراجعة الدقيقة ستدين أداء العديد من الوزارات من خلال وقائع مثبتة لا يمكن حشرها في زوايا الكيدية والاستهداف، وبشكل يتطلّب المحاسبة والمساءلة، ليكون هناك توجه وقائي جديد يحول دون تكرار الأخطاء ذاتها في الأيام القادمة. فمثلاً طرحت الأشهر الماضية الكثير من التساؤلات بشأن العائدية الفعلية والانعكاسات المعيشية والاقتصادية للقرارات الحكومية المختلفة التي صبّت جام غضبها على جيوب الناس، وخاصة من فئة الدخل المحدود. وطبعاً، وعبر التدقيق بالواقع وانعكاسات الأرقام الحكومية على الحياة العامة، نصل إلى نتيجة واقعية مفادها أن تعدّد الأرقام التي أُعلن عنها وتضمّنها الخطاب الحكومي لم يؤشر إلى حالة إنتاجية سليمة، أو أداء تفاعلي حقيقي مع المستجدات، فالحصيلة الاستثمارية والإنتاجية يمكن من خلالها فقط تجسيد إيجابية التوجهات.

وهنا، لا بدّ من التأكيد على ضرورة أن يكون للحكومة القادمة وقفة مطولة مع المراحل السابقة وما تمّ فيها لناحية زيادة الإنتاج وخفض التكاليف وخفض أسعار المنتجات، وانعكاس ذلك كله على الدخل الوطني والقدرة الشرائية والدورة الاقتصادية بحلقاتها المختلفة “المنتج والعامل والمستهلك”، ومن ثم الانطلاق بشكل فعليّ نحو زيادة الطاقة الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة، وتنشيط كافة مجالات التطوير والإبداع والنهوض بالمجتمع في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقود في النهاية إلى الواقعية الرقمية التي – وللأسف – ما زالت مفقودة أو ضائعة في ركام التكرار!

ولسنا هنا بصدد تقييم عمل الحكومات السابقة، ولكن للتأكيد على أن نهج العمل الذي تمّ اعتناقه والتخندق في تشعباته الاستثمارية والتنموية والتشاركية وغيرها من المصطلحات والعناوين التي أطلقت لتكون بوابة عبور نحو مراحل قادمة، زاد من التحديات والتعقيدات التي أتاحت الفرصة لاقتناص الغنائم، وبدلاً من حلحلة وتفكيك منظومات العمل المؤسساتي الفاسدة والعاجزة تمّ تكريس الفكر النفعي والاتكالي الذي استسهل استراتيجية “التمرير” على حساب التدقيق والمحاسبة، وهذا ما بدا واضحاً في تلك الملفات التي يشوبها الخلل في عدد من المؤسّسات الخدمية كحماية المستهلك أو في المحافظات والوحدات الإدارية وغيرها، وما يوجع أكثر أن يثقل الأداء ونهج العمل الحكومي بخطوات لم تنجُ من الفهم الخاطئ لكيفية تنفيذ الكثير من القرارات المدرجة ضمن مشروع الإصلاح الإداري نتيجة لمصفوفات ورقية لم تستطع الولوج إلى الواقع، أو حتى مقاربة التغيير في المنظومة الإدارية، سواء من ناحية الممارسة أو الفكر، حيث اختزل مفهوم عمل الجهة المعنية بإستراتيجية التمرير من الورق إلى الورق، إلى جانب الخلط المتعمّد لأوراق الأولويات.

باختصار.. المشكلة ليست في أرقام يتمّ استدراجها قسراً إلى خانات القيمة المضافة، بل في منظومة عمل استسهلت رمي المسؤولية في سلّة الآخرين دون الاعتراف بأنها فقدت المعايير والمقاييس الصحيحة في منظومة عملها وتشتّت قرارها (..). وطبعاً مع حتمية التفاؤل، يستبشر الشارع السوري خيراً بالأداء الحكومي القادم، خاصة وأنه يضع الحكومة الجديدة في خانة حكومة ترجمة التفاؤل إلى واقع عملي؟!