خرق واضح…؟!
بشير فرزان
كلّ ما يدور اليوم، سواء في أروقة المؤسّسات وقاعات اجتماعاتها، أو في أحاديث الناس وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، يبحث عن الأسلوب أو الطريقة التي يمكن من خلالها ترجمة انعكاس القرارات الحكومية، وخاصة الفريق الاقتصادي، على يوميات المواطن ومعيشته. وهنا نؤكد على الشفافية والمصداقية كبوابات نشطة لترميم العلاقة والثقة وتقريب وجهات النظر، ومن ثم إيجاد نقاط التقاء توحّد الجهود وتدعم القرارات المتخذة، فأزمة البنزين الحالية والمحروقات عامة كان يمكن استيعابها شعبياً لو كان هناك شفافية ونضح ووعي في الخطاب الحكومي، فما يُقال شيء وما هو موجود في الواقع شيء مختلف تماماً، نظراً للإمعان بالتصريحات التي تجلد الحقيقة والناس بسياط الإنجاز الخلبي، وبوعود النواقل التي وصلت ولم تصل وعمليات التفريغ الخيالية في المصافي التي ستقلع بالعمل ولا تقلع، هذا إلى جانب عشرات التساؤلات التي ترصد ويشكل مباشر اكتناز الشوارع بالمحروقات بمختلف أنواعها بأسعارها الجنونية والمتصاعدة على مدار الساعة، والتي تلحق خسائر متلاحقة بالمواطن على كافة الصعد المادية والمعنوية والاجتماعية والأخلاقية.
وبصراحة وشفافية، تتزاحم صور الحياة العامة التي تبثّ فضائح الجنون العابث بالأسواق والمدمّر للقدرة الشرائية؛ وكالعادة، يكتفى ببعض البيانات والتصريحات المندّدة بهذا الواقع وبالمزيد من القرارات الدائرة في حلقات مفرغة، دون أن يكون هناك أي فعل حقيقي على صعيد مكافحة الفوضى الحاصلة تحت غطاء الظرف الاستثنائي، فالمكاتب المسؤولة عن التنفيذ خارج الخدمة، وجعبتها فارغة من الحلول، ما عدا تلك المبررات والأعذار المضللة للواقع!
ولا شكّ أن الخروج من هذه المعضلة يحتاج إلى تعميم ثقافة المسؤولية القائمة على إدراك المسؤول أن موقعه أو منصبه ليس للتشريف وإنما هو تكليف لخدمة المواطن، كما تستلزم هذه الثقافة ضرورة إدراك المواطن أن المسؤول في خدمته، ولكن ضمن شروط موضوعية هي القوانين والأنظمة النافذة، ولاسيما أنه بات من المعروف أن نجاح أي مؤسّسة أو إدارة ما في تحقيق أهدافها وبلوغ المستوى المطلوب من التطور والازدهار في أدائها مرتبط إلى حدّ كبير بالقيادة الإدارية التي تشرف عليها، ذلك لأن هذه القيادة تعتبر بمثابة الأداة المهمّة والضرورية التي يتمّ بواسطتها تعبئة وتنسيق جهود وإمكانات المؤسّسة المادية والبشرية للوصول بها إلى تأدية مهامها بالشكل الأمثل، وطبعاً هذه القواعد الأساسية في العمل لن يكتب لها الوجود طالما عقلية الانتفاع هي المسيطرة على حساب المصلحة العامة، وهذا خرق واضح وصريح لخطوات الإصلاح، والذي – للأسف – ما زال رهن الاجتماعات والمذكرات الورقية، مع تقييد قرارات المحاسبة والمساءلة.