وبدأ عرش الدولار يهتزّ!
علي عبود
لن يعترف “المهووسون” بقوة الدولار الأمريكي كعملة لاتقهر أن عرشه الذي تربّع عليه منذ أربعينيات القرن الماضي بدأ يهتز تدريجييا، والدليل إن بعض المنظرين عندنا يدعون بصفاقة إلى “دولرة” الاقتصاد في وقت تسعى فيه دول قوية كروسيا والصين إلى استبداله بعملاتها المحلية سواء الورقية أو الرقمية!
لن نستشهد بآراء مناوئة للغرب لنؤكد بأن عرش الدولار بدأ يهتز منذ ثلاثة عقود على الأقل، بل سنستهد بمذكرة “طازجة” صدرت عن معهد بروكينغز وهو مؤسسة بحثية أمريكية.
لقد كشف باحثون من المعهد في مذكرتهم التي أعدوها، عن انخفاض استخدام العملة الأمريكية بشكل مطرد على مدى العقود الماضية، وخاصة في العقد الأخير، ولا توجد أيّ مؤشرات على استعادة الدولار لمكانته السابقة.
وإذا كان معهد بروكينغز كشف عن تراجع مطرد باستخدام الدولار فإن تقديرات صندوق النقد الدولي كشفت أيضا أن نسبة الدولار من الإحتياطات والتجارة العالمية انخفضت من 71 % في عام 1999 إلى 59 % في عام 2024
ومع أن نسبة هيمنة الدولار لاتزال كبيرة ووازنة إلا أنها مرشحة للتراجع بسرعة في العقد القادم بعد قرار باعتماد مجموعة بريكس التي تُشكل أكثر من 50 % من اقتصاد العالم لعملة جديدة بديلة للدولار في اجتماعها الذي سينعقد في تشرين الأول القادم .
وبالمقابل ارتفعت حصة احتياطات العملة غير التقليدية مثل الدولار الأسترالي والفرنك السويسري واليوان الصيني من جميع الإحتياطات من 2 % عام 1999 إلى 11 % عام 2024.
وفي حين يرى خبراء، وبعضهم في سورية، انه لا يمكن إزاحة الدولار عن عرشه في الأسواق المالية في الأمد المنظور، إلا أن الكثير من الخبراء يرون أن عرش الدولار بدأ يهتز أمام أربعة عوامل لن يصمد طويلا في مواجهتها، فما هي العوامل التي ستزيح الدولار عن عرشه؟
العامل الأول يتجسد في العقوبات الأمريكية، وإذا كانت هذه العقوبات فعالة بتحقيق أهدافها مع الدول الضعيفة، فإنها لم تؤثر على دول قوية مثل روسيا والصين وإيران، بل ان مفاعيلها ارتدت سلبا على الدولار، وهاهي دول البريكس تخطط للتحول عن الدولار، وبدأت روسيا تبيع نفطها وغازها بالعملات الوطنية مثل “سعر صرف اليوان مقابل الروبل”، وهذا يعني أن التجارة بين دول البريكس تتم بمنأى عن الدولار مما سيساهم بإزاحته عن عرشه.
العامل الثاني يتجسد بارتفاع عبء الديون المستحقة على أمريكا مع مخاوف بعدم القدرة على سدادها مما يدفع بحاملي العملة إلى استبدالها كليا أوجزئيا بعملات أخرى أو بالذهب، وما يؤكد ذلك قيام وكالة فيتش بتخفيض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة العام الماضي.
العامل الثالث يتجسد بتحسين “تكنولوجيا الدفع” التي سهلت تبادل العملات غير التقليدية مما أثّر سلباً على الطلب على الدولار الأميركي، الذي كان يُنظَر إليه تقليدياً باعتباره الوسيلة الأكثر جاذبية للتبادل.
وحسب مؤسسة بروكينغز فإن “عادةً ما كان تحويل مثل هذه العملات إلى دولارات، والعكس صحيح، أسهل وأرخص من استبدالها ببعضها البعض. ولكن الصين والهند، على سبيل المثال، لن تحتاجا قريباً إلى استبدال عملتيهما بالدولار لإجراء التجارة بثمن بخس. وبدلاً من ذلك، سيصبح استبدال اليوان بالروبية بشكل مباشر أرخص. وبالتالي، فإن الاعتماد على الدولار، سوف يتراجع”.
العامل الرابع يتجسد بالعملا ت الرقمية للبنوك المركزية فالتعامل بها أسهل وأرخص من الدولار وتعمل الصين منذ سنوات على تطوير عملة رقمية بديلة للورقية، ومن الملفت أن أمريكا بدأت تخطط لإصدار عملة رقمية أيضا.
الخلاصة.. كشفت غيتا غوبيناث النائبة الأولى لمدير عام صندوق النقد الدولي في كلمتها في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا ان (بعض الدول تعيد النظر في اعتمادها الكبير على الدولار الأمريكي في المعاملات والإحتياطات الدولية) مايؤكد أن مسيرة اهتزاز عرش الدولار بدأت وسيفقد عاجلا أم آجلا هيمنته على العالم، ومن المستغرب أن بعض المهووسين عندنا يدعون إلى الدولرة بدلا من اللحاق بروسيا والصين والهند أي باالإعتماد على العملات البديلة في تجارتنا الحارجية.