ثقافةصحيفة البعث

روح محمود حامد تطغى على “أيلول وهمس البنفسج”

ملده شويكاني

“شهر يوزّع في الطبيعة فنّه

شجراً يصفق أو سنا متفجرا”

هكذا وصف الشاعر إيليا أبو ماضي شهر أيلول، وتغنت به فيروز “رجع أيلول” ومن رومانسية هوائه الخريفي وأوراق أشجاره المتساقطة، جاءت تسمية الأمسية الشعرية – الموسيقية التي أُقيمت بالمركز الثقافي العربي في المزة “أيلول وهمس البنفسج” بالتعاون مع مجلة “البنفسج” الورقية برئاسة علي جابر بمشاركة عدد من الشعراء وعازف العود وسام ملحم، واتسمت بطغيان الشعر الحديث واتّباع القصة الشعرية ولم تخلُ من الشعر المحكي ورهافة الحسّ الشعري العاطفي، فغلبت على أغلب النصوص مسحة حزن شفيف، وكان التفاوت واضحاً على صعيد الصياغة الشعرية والإلقاء.

وتزامنت الأمسية مع خبر وفاة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود حامد، فتغيّر مسار الأمسية لتكون في جزء كبير منها رثاء لروح هذا الشاعر النبيل، الذي ناضل بشعره ودعم المقاومة الفلسطينية بمفرداته، بالإضافة إلى دوره باللقاءات الدورية للشعر، فعبّر كل المشاركين بقصائد قصيرة عن حزنهم لخسارة الراحل ومحبتهم له، إذ قال سليم المغربي الذي تميّز بقوة إلقائه ولفظه السليم:

يا صاحب القلب النقي سبقتني

لا دمع يجدي حرفكم مفقود

أتعبت؟ أعلم كم تعبت وها أنا

أبكيك شعراً خافقي موؤد

أرثيك ؟ أي جلادة لأقولها

يا جمع غادر دنيتي أيعود؟

رباه أكرم من أتاكم راضياَ

هو حامد وبخلقه محمود

وتابع المغربي بقصيدة “دم واحد” على غرار شعب واحد المصطلح الذي وظّفه عدد من الشعراء بقصائدهم، واعتمد فيها على التقطيع بمقاطع يربط بينها بتكرار “دم واحد” يستحضر فيها تاريخ العرب المشرق، ويستنكر تخاذل بعض الدول العربية في نصرة بعضهم، فمهّد بالتعجب؟

سمعتم عن دم واحد؟

نعم فهو الدم الواحد

وتتالت المقاطع بين التعجب والاستفهام، ليصل إلى التمني:

سأمسك خافقي بيدي

وأزرع شتلتي ولدي

وأحلم ربما بغد

سيجمعنا الدم الواحد

وكانت للشاعر أكرم صالح الحسين وقفة بقصائد عدة، منها احتضار، التي يتطرق فيها إلى حقيقة الموت وفلسفة الوجود، فيرثي لحاله وهو يتخيل أنه يحتضر مستحضراً ذكريات العمر بالخيبة والفقد، ومتأثراً بميخائيل نعيمة بقصيدة “حشرجة الموت”:

حشرجة الموت، كم سمعت بها

قبل أن أسمعها

ويقول الحسين في بوحه للمرآة في الدقائق الأخيرة، وقد اعتمد أيضاً على تقنية التقطيع:

في كل حين

وعلى انتظاري

بت أشكو الوقت

أن يغدو سريعاً

كي أشاهد نعوتي

تضحك وتبكي

مثل أحبائي الذين فقدتهم

عبْر السنين

أما الشاعرة هناء داوودي الملقبة بشاعرة الياسمين والبنفسج فامتزجت مفرداتها بالعطر والندى والأقاحي، وبُنيت على المنولوج بالبوح للذات وبمشاركة القارئ، مصوّرة المشهد بالرؤية القلبية “أرى ضحكاتك عناقاً” لتصل بالقفلة إلى معارك الوجد:

أيا ليت الغرام

يشعل أوزاره

لأطلق سراح اللهفة

أفك أسر الكلم

أرفع بيارق الفتنة

هي معارك الوجد

كلانا فيها أسير ومأسور

في حين حيّت تغريد إبراهيم الحاضرين بتحية مستمدة من حضارات سورية وتاريخها العريق وأرضها الحافلة بدماء الشهداء التي انسكبت على ترابها:

من أرض الأجداد والآباء

التي رُوّت بدم الشهداء

من كروم العنب والتين

وأشجار الآس

من شموخ قاسيون

ثم تابعت بقراءة قصيدتين عاطفيتين، امتزج فيهما الحب بالعتاب، أحدهما بعنوان “الروح ثكلى” تصف فيها شوقها ومأساتها:

في كل صبح تستفيق وطيفك

يجتاح داري كاشفاً آناتي

بينما اقتربت ضحى سيف الدين من القصة الشعرية الساخرة بوصف رجل محبّ طلب يد فتاة تتدلل بغنج بتحديد مهرها، لتكشف القفلة أن الحبّ مبتغاها، وقد تمكّنت من شدّ الحاضرين إليها بطريقة إلقائها المتناغمة مع المفردات على الرغم من أنها أصغر المشاركات.

وحفلت الأمسية بصوت زهير قاسم الرخيم وبإلقائه الجميل وبحضوره القوي، بقراءة قصيدته “أميرة” التي بُنيت على حوارية غزلية تضمنت صورة واقعية عن حقيقة التعايش الديني في سورية، والجميل أن قاسم التزم بالشعر العمودي المقفى والموزون:

تاه شعري في ثنايا شعرها

وبمحراب عينيها طاب تعبدي

أيّ عنقاء تراني، قد فتنتُ بها

أصبحت الماضي وحاضري والغد

وتغيّرت الأجواء مع سميرة غانم التي قرأت قصائد من الشعر المحكي، الذي يعد نوعاً من التراث اللامادي بلهجة الضيعة وبمفردات مستمدة من البيئة الريفية تسرد حكاية حبّ:

ها لعشق خمر جرارنا ملّا

وبالبال صوتك والصدى غرد

وحن القصب عا مبسم تحلا

أما قصيدتها “سكون المراية”، فكانت حديث الذات مع الذاكرة ووجع السؤال عن الفراق:

كل يوم حد مراية سنيني

بفتح جياب الذاكرة كلن

بيوعيني دمع بالكاس يغويني

وعا لشوق شو بقلن

وين إلي كانو معبدي وديني

راحو وتركو وعودن وحلن

المنعطف بالأمسية كان بمشاركة القاص والناقد سامر منصور الذي لم يقرأ قصة ساخرة حزناً على الشاعر محمود حامد، واكتفى بنصوص قصيرة ذات مغزى وعبرة، “حين تسقط كثيراً، فاعلم أن الحفرة في داخلك”، وأخرى محمّلة بروح رمزية” يا لكرم كف الشمس الذهبية، كم ألبست من خواتم خضراء بأصابع الأرض الخشبية”.

الموسيقا الآلية كانت الجناح الآخر فعزف وسام ملحم عازف العود تقاسيم منفردة على مقام النهاوند والكرد والسيكا، كما أخذ العود دور الغناء لصوت فيروز بأغنية يا زهرة المدائن، بالإضافة إلى أغنية “لبيروت” و”يا موطني”.

قدمت الأمسية فاتن الزاقوت واستهلها أحمد سيف الشيخ نائب رئيس تحرير مجلة البنفسج الورقية بكلمة رئيس التحرير علي جابر، التي تحمل تحية من سورية وفلسطين والعراق بروح واحدة.