“تفاصيل حكاية حلبية” في دمشق
ملده شويكاني
لم تكن قلعة حلب بالريشة واللون، إنما بفنّ الورقيات وألوانها، إذ أخذت مكانها في معرض “تفاصيل حكاية حلبية” مع العديد من اللوحات التشكيلية بالورق، الذي أقيم في المركز الثقافي العربي بـ”أبو رمانة”، ونقل حكايات حلب وتفاصيل معالمها وجغرافيتها وتراثها التي نفذها كل من الفنانين الزوجين المهندسين عبد الرحمن عاشور وغنوة حوري إلى دمشق.
وبدأ حوار “البعث” مع غنوة حوري من لوحات حارات حلب القديمة من لوحة سوق المدينة التي تظهر الجمالية التاريخية للخان ببابه الخشبي والمشربية ومحال التحف الشرقية المحيطة فيه، والجدار الحجري والنباتات الخضراء والأرضية المربعة، إلى تفاصيل البيت الحلبي من الداخل والخارج، ومن الذاكرة ومن الحارات الحلبية، تقول حوري: “جسّدنا حارات حلب القديمة بشكل خاص مثل حارة عوجة الجب والعقبة والباشا والأسواق مثل سوق المدينة والحبيل والحدادين وشوارعها مثل شارع القوتلي، وبتفاصيل أكثر بالامتداد إلى البيئة الريفية فعرضنا الآلة الشعبية الربابة، ونظراً لعودة الحياة إلى حلب وزيارات المغتربين والأجانب أنجزنا لوحات تراثية مصغرة لبيئة حلب وريفها توضع على أكياس الهدايا كنوع من التذكار، كما جسدنا الكثير من النقوش المستمدة من عصور تاريخية مختلفة والموجودة في الجوامع والكنائس والأماكن الأثرية، وفي جانب آخر أدخلنا الخط العربي البحت بأنواع متعددة للخط الفني والثلث والديواني بعبارات مثل “الروح تألف من يطمئنها” و”مفردة عشق” و”سورية” بأسلوب فني تتوازن فيه كتلة الأحرف مع الألوان وتصميم الزخارف، وفي بعض اللوحات أضفنا أحجار صغيرة كنوع من الكولاج، هذا بالإضافة إلى لوحات حروفية منفردة لمفردة سورية وعشق، وفي لوحة أخرى دمجنا بين التراث الحلبي والدمشقي بشخصية المولوي والخط العربي بالحروفيات المبعثرة حوله”.
وتضيف: “في زوايا أخرى جسّدت اللوحات جماليات الطبيعة والورود، منها وردة التوليب، وأفردنا مساحة للأحجار الكريمة وصابون الغار، إذ عرضنا صابونة عمرها يتجاوز المائة والخمسين عاماً، بالإضافة إلى مرآة محاطة بنقوش تراثية والعين الزرقاء وعلب صغيرة مزينة بالورود وإكسسوارات من الأحجار ودفاتر صغيرة مصنوعة من الورق البني القديم، وأقمشة حلبية، نحاسيات صغيرة ومستلزمات المطبخ والمقاهي”.
ومن ثم توقفتُ معها عند المجسمات بثلاثي الأبعاد وثنائي الأبعاد لبعض المهن مثل الطبيب والمهندس والمصوّر والطباخ مع تشكيلات للأطعمة وخاصة المقبلات، كما تم توظيف بعض الشخصيات مثل شخصية المحقق “كونان” بالإضافة إلى شخصيات كرتونية للأطفال مثل “مينيوز” و”ميكي ماوس” و”ماريو” وغيرها، وحدثتنا في تقنيات العمل، مبينة أن مشروعهما هذا بدأ منذ ثماني سنوات، عندما زار زوجها عبد الرحمن عشور معرضاً في إيطاليا، ورأى تشكيلاً صغيراً بفنّ لف الورق، فاستهوته الفكرة ومن ثم تابعا العمل بهذا الفنّ، ويأتي هذا المعرض بعد العديد من المشاركات في حمص وحلب، وبمعرض الزهور، لكنه الأول في دمشق بمعرض متكامل من الورق، وعقبت: “فنّ لف الورق فنّ ياباني ومتعارف عليه عالمياً، المادة الأساسية هي ورق الغرافت وهو ورق طبيعي مستمد من لحاء الشجر، وأضفنا إليها مواد تحافظ عليه وتعزله بشكل جيد لدرجة غسل المجسمات الصغيرة من دون أن تتأثر الألوان المستخدمة وفق طبيعة العمل، ونستخدم الألوان المائية بالدرجة الأولى والزيتية، وأحياناً نضطر إلى تصنيع الألوان لتناسب اللون الذي نحتاج إليه في الورق غير الملون، مثل البني الفاتح فأستخدم طحل القهوة، بعد أن نرسم العمل ثم ننفذه”.
وأشارت حوري إلى أن عملهما بفن الورقيات ليس للعرض والإنتاج فقط، إذ يقومان بتدريس هذا الفنّ بالمنظمات والجمعيات الخيرية وبدورات خاصة لمستويات عدّة، منها الورق المعاد تدويره ولف الورق والكولاج، ويوجد إقبال من قبل طلاب الجامعات والمهتمين.
لاقى المعرض صدى إيجابياً من قبل الزائرين الذين أعجبوا بهذا الفن وبمضامين الأعمال، ولاسيما المتعلقة بتراث حلب، وأنهت حوري حوارها مع “البعث” بمشروعها القادم بنقل المعرض إلى خارج البلد وفق ما يخطط له وتحقيق انتشار أكبر باسم سورية، اقتداءً باللوحة الخطية لخارطة سورية الموجودة بالمعرض والتي خُط عليها “العالم يراها سورية وأنا أراها العالم” التي كتبها عبد الرحمن عاشور.