من الحرب السيبرانية إلى خرق سلاسل التوريد
بشار محي الدين المحمد
فجرت مجزرة الـ ١٧ من أيلول الجاري في لبنان كمّاً كبيراً من التساؤلات، ودعت الجميع لإعادة تقييم الكثير من الأحداث السابقة على صعيد المنطقة، بل حتى على صعيد العالم المثقل بفتائل الحروب والصراعات، إذ لا بدّ من ربط هذا الخرق السيبراني بما وقع عام 2020 عندما تم تفجير شحنة نترات الأمونيوم في مستودع بمرفأ بيروت، ما أدى إلى ارتقاء عددٍ مشابه من الشهداء في مجزرة الخرق السيبراني الأخيرة، التي لم تكن لتحدث إلا بموافقة وتوجيه من الراعي الأمريكي الحالم بخلط الأوراق في المنطقة و”الفوضى الخلاقة”، تحقيقاً لمصالح الرأسمالية العالمية الدموية.
علينا أيضاً أن نعيد النظر بواقعة أخرى في العام ذاته، عندما هاجمت بريطانيا – بتوجيه أمريكي بالتأكيد – عملاق الاتصالات الصيني “هواوي” بهدف “شيطنة” الصين وتطويق شركاتها، ولكن الأهم من ذلك كله هو إتاحة الفرصة أمام شركات مخروقة غربياً لتعهد شبكات الجيل الخامس حول العالم، رغم أنه لا دلائل حتى الآن على قيام أي شركات صينية بأعمال تجسسية أو اغتيالات أو أعمال عدائية ضدّ أي طرف بالعالم، كما تفعل استخبارات “السي أي أيه” أو “الشاباك” أو البريطانية، إلا في تصريحات ومخيلة زعماء وساسة الغرب الذين خلقوا من الصين “عدواً” دونما سبب.
في بداية عامنا الحالي، وبعد تزايد وتيرة اغتيال شخصيات وقيادات المقاومة في المنطقة، لا بدّ من إعادة النظر والتحقيق في حادثة سقوط مروحية الشهيد رئيسي في إيران، والتوثّق فيما إذا كان خرقاً سيبرانياً قد تداخل مع تلك الظروف الجوية التي فتكت بطائرة تقله دون طائرتين ترافقانها، وخاصةً أن هذا الحادث وقع في خضم ظروف عدوان إسرائيلي على المنطقة لصدّ وحدة الساحات بعد “طوفان الأقصى”.
الخطر المتزامن مع تلك الحرب السيبرانية، هو شعور القلق الذي بات ينتاب العالم بأسره، فأي منتج في العالم، وإن حمل مسمىً تجارياً، وتمت نسبته إلى بلد منشأ معين، فهذا لا ينفي وجود عشرات المدخلات من تصنيع شركات في بلدان أخرى، إما توفيراً في أجرة اليد العاملة، أو رخص المادة الخام، الكمبيوترات، وبشكل ينعكس بشكل كبير جداً على تكلفة المنتجات. ومن المعلوم أن سلاسل التوريد المتعدّدة تلك سببت الكثير من أعمال التجسس، ولكن لأغراض إفشاء الأسرار التجارية، وسرقة التقانة، وغيرها من حقوق الملكية الفكرية والتجارية، لكن المصيبة اليوم هي استغلال تلك السلاسل لأهداف العدوان والإبادات الجماعية والاغتيالات، ربما اليوم في لبنان، لكن غداً لا أحد يعلم كيف وأين؟ إذ باتت أي دولة، وخاصة التي قد تقول “لا” في وجه الهيمنة الأنغلوساكسونية، ضحية لما يشبه جيش من الروبوتات – رغم أنها لا تحمل هيئتها – التي يمكنها الفتك بآلاف الضحايا وارتكاب أبشع المجازر الجماعية، وبكبسة زر واحدة فقط لا غير، ليجد العالم نفسه أمام أسلحة دمار شامل، ولكنها غير تلك التي تم “تدجينه” على الحذر منها، والأخطر أن الأدلة قد تكون معدومة، وخاصةً إن وقعنا ضحية شراء منتج من شركة “فرعية”، تبين أنها وهمية، لمنتج تبين أيضاً أنه مقلّد توقف إنتاجه في شركته الأم منذ عقد، كما حدث في أجهزة الـ “ووكي تووكي”.
ما حدث، وما قد يحدث، لا بدّ من أن يضاف إلى كل التحذيرات من خطر استخدامات الذكاء الصناعي على البشرية، ولا بدّ أيضاً من أن يعزّز جهود محور العالم الجديد لخلق تعاون أمني جماعي جديد قد ينقذ البشرية السليبة لخبث قوى الاستكبار الحاصل اليوم.