نتنياهو المسوق والمساق
د . خلف المفتاح
نظراً لما ارتكبه الكيان الصهيوني من إجرام بحق الشعب الفلسطيني، ولاسيما خلال الحرب الأخيرة التي شنها على غزة والضفة الغربية، وفي ظل قيادة رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو وعصابته الإجرامية، بدأت بعض وسائل الإعلام تركز على نشأة ذلك المجرم، وتفسير سلوكه عبر مسيرة حياته المهنية والسياسية والعسكرية، فتبين أنه عمل بداية حياته في العمل التجاري، وبرع في تسويق البضائع الفاسدة عبر عمليات غش وتضليل ومعرفة باحتياجات السوق، وبعد انكشاف أمره اتجه نحو العمل في الجيش الإسرائيلي فبرع في تسلق المواقع المتقدمة، ومنها نفذ إلى عالم السياسة بانتسابه إلى حزب الليكود، ويتحدث كل من عمل معه على قدرته على الإطاحة بكل من عمل معهم من قيادات في حزب الليكود، إما من خلال توريطهم في سلوكيات مخالفة للآداب وتهديدهم بفضحهم عبر وسائل الإعلام والدعاية، وبالتالي ابتعادهم عن منافسته في سعيه للوصول إلى قيادة حزب الليكود، أو اتهامهم بالجبن وعدم امتلاك الشجاعة في مواجهة الخصوم والأعداء، وهم هنا بالطبع الشعب الفلسطيني. ويقال أنه هو من كان وراء التحريض على رئيس الوزراء اسحق رابين الذي اغتيل على يد متطرف من حزبه من خلال اتهامه بالتفريط بما يسميه أرض “إسرائيل” بعد توقيع رابين على اتفاقية أوسلو مع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك .
والى جانب نجاحه في الإيقاع بخصومه، يشار إليه في قدرته على تسويق أفكاره، وهو الذي اكتسب فكرة التسويق من خلال عمله بشركات تجارية مطلع حياته، كما أشرنا بدايةً، فنتنياهو سياسياً بارع في هذا المجال وينطلق في ذلك من خلال معرفة رغبات الزبائن وهو الجمهور الإسرائيلي، واستثمار خوفهم من مخاطر قيام دولة فلسطينية تهدد، وفق روايته التسويقية، وجود “إسرائيل”، لذلك وجدناه في حربه على غزة يتحدث ويسوق على أنها حرب وجودية، وهو بذلك يجد مبرراً لكل إجرامه بحق الشعب الفلسطيني بوصفها معركة وجود. إضافةً إلى أنه يجعل الجمهور الإسرائيلي مستعد لتقبل كل نتائج ذلك من خسائر وتضحيات وثمن بوصفها (معركة وجود) تستحق كل ذلك، وفي خطابه الذي ألقاه في أمريكا، سوق أمام أعضاء الكونغرس أنه يخوض حرباً ضد إيران نيابة عن أمريكا والغرب، وحظي خطابه هذا بالتصفيق عشرات المرات من هؤلاء ( الزبائن) متفاعلين مع روايته الكاذبة، حيث كان هدفه بالتأكيد توريط أمريكا في حرب مع إيران ليتخلص من خطر يراه يهدد وجود الكيان وينتزع منه ورقة الردع عبر سعيه لامتلاك القدرة النووية التي يرى فيها احتكاراً للقوة وأداة للردع. والى جانب ذلك، ولكي لا يوقف الحرب التي يرى فيها استمراراً لحياته السياسية عند الحديث عن توقيع على صفقة تبادل للأسرى، وإيقاف لإطلاق النار، خرج بمقولة عدم الانسحاب من معبر فيلادلفيا مسوقاً لفكرة أن الانسحاب سيجعل إمكانية تهريب الأسلحة والسلع الأخرى من سيناء قائمة، وهذا وفق ادعائه سيوفر إمكانية قيام المقاومة الفلسطينية في غزة من معاودة الهجوم على الكيان الصهيوني.
وفي إطار إستراتيجيته التسويقية تلك، أخذ يسوق إلى أن مسالة قيام دولة فلسطينية تحت عنوان حل الدولتين يقوض وجود ما يسميه “الدولة اليهودية”، لذلك دفع بالكنيست الإسرائيلي لاتخاذ قرار شبه إجماعي برفض قيام ذلك في مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة وميثاقها.
والحال، أننا أمام حالة إجرامية مصابة بغريزة البقاء السياسي تحت أي ثمن أصيبت بحالة استعصاء على كل المستويات، ولم يبق لديها أية أوراق تسويقية سوى ورقة واحدة وهو سوقه إلى المحاكم سواء في كيانه الصهيوني وهو المتهم بقضايا فساد منظورة أمام المحاكم، وكذلك محاسبته عما سمي تقصيره بالحرب وهجوم طوفان الأقصى، وجلبه وسوقه أمام محكمة الجنايات الدولية لمحاكمته بوصفه متهماً بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحسب قوانينها الناظمة لعملها وفق صلاحياتها المعروفة .