نتنياهو ومتلازمة الفشل
د.معن منيف سليمان
“نتنياهو” الذي فشل في تنفيذِ أيٍّ من وعوده بهزيمة المقاومة في القطاع، وإعادة الأسرى بالقوة العسكرية، تورط مرةً أُخرى بالتعهد بإعادة النازحين المستوطنين إلى الجليل المحتل، لأنه ببساطة سيفشل، بل سيغرق في مستنقعٍ دمويٍّ في لبنان لا يقل خطورة عن نظيره في قطاع غزة.
يسعى رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتنياهو” إلى أخذ الكيان إلى مصير مجهول عن طريق إصراره على التصعيد على الرغم من الخراب الدمار والاستنزاف والأضرار والهزيمة الإستراتيجية التي لحقت بالكيان الصهيوني على الصعيدين الداخلي والخارجي، والفشل الذريع عقب عملية “طوفان الأقصى”، ومع ذلك يواصل الزحف نحو الهاوية.
فالفشل في تحقيق أي من أهداف العدوان على قطاع غزة، وعدم النجاح في إطلاق سراح الرهائن، بالإضافة إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين يومياً من جيش الاحتلال وانهيار المعنويات، وانتشار عمليات القتل والطعن والدهس والعمليات الفدائية التي وصلت لعمق الكيان، وإخفاق منظومة الدفاع الجوي الصهيوني في التصدي لصواريخ المقاومة، حيث أخفقت القبة الحديدية ومقلاع داود في صد الصواريخ التي تخترق العمق الصهيوني مع فشل ذريع في التصدي لها.
ولم يقتصر فشل “نتنياهو” على الإخفاق العسكري، أو تحقيق أهداف العدوان في القضاء على المقاومة أو تدمير قدراتها أو السيطرة على غزة، أو تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، ولكن هناك فشل من نوع آخر وهو الخسائر الاقتصادية بعشرات المليارات من الدولارات وتجميد الاقتصاد الصهيوني، وتوقف السياحة والإنتاج، وهروب المستثمرين، بل وهروب المستوطنين إلى خارج الكيان، حيث وصل عددهم إلى مليون مهاجر، ثم النزوح من الشمال إلى داخل الكيان، ناهيك من حالة تصاعد الانقسام الداخلي فوصلت أعدد المتظاهرين إلى المليون رفضاً لسياسات “نتنياهو” وأكاذيبه، واتهامه بأنه وراء إفشال جهود الوساطة في عقد اتفاق للإفراج عن الأسرى، بل ذهبت القوى السياسية والأحزاب إلى تشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة المتطرفين بقيادة “نتنياهو” لإنقاذ الكيان من السقوط حسب قولهم، حيث حذر قادة جيش الاحتلال من مواصلة القتال، وفتح جبهات جديدة والتحذير من خطورة تفجير الضفة، أو فتح جبهة جديدة في الشمال، كما حذروا من خطورة البقاء في محور صلاح الدين “فيلادلفيا” لعدم جدواه، وأشاروا إلى أهمية عقد اتفاق لوقف الحرب، وإطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، لأن الضغط العسكري لن ينجح في إطلاق سراح الجميع، وعدم ضمان بقائهم على قيد الحياة.
لقد أفقد “نتنياهو” الكيان التعاطف الدولي وأثار ضده الرأي العام حتى في الدول المؤيدة والداعمة له، وبات الكيان في حالة عزلة إقليمية ودولية، ولم تنجح أكاذيب ووسائل الكيان بتجميل وجهه القبيح، بعد أن انقلبت الصورة وأصبحت الرواية الفلسطينية هي المقنعة عالمياً، كما أن “نتنياهو” على بعد خطوات من إصدار محكمة العدل الدولية قراراً بتوقيفه مع وزير دفاعه بسبب جرائم الحرب التي ارتكباها ضد الفلسطينيين. وعلى الرغم من كل ذلك أعلن “نتنياهو” عن توسيع عمليات جيش الاحتلال العسكرية، وقصف عدد من المواقع في العاصمة اللبنانية بيروت.
“نتنياهو” الذي يعاني من متلازمة الفشل يريد حرباً شاملة، على أمل القضاء على المقاومة في جنوبي لبنان (حزب الله) وإعادة المُستوطنين النّازحين من الجليل هرباً من الصواريخ اللبنانية الذين يزيد عددهم الحقيقي عن 200 ألف مُستوطن حتّى الآن، وقد يتضاعف الرّقم إذا توسّعت الحرب.
هدف “نتنياهو” من توسيع دائرة الحرب نحو الشمال هو إجبار حزب الله على فك الارتباط بين جبهة لبنان وجبهة غزة، حيث يربط الحزب بين إيقاف هجماته وبين وقف إطلاق النار في القطاع. وفي أول تصريحٍ له بعد تكثيف الغارات، وحرب الإبادة، قال “نتنياهو”: “وعدت بأنّنا سنُغيّر التّوازن الأمني والعسكري، وتوازن القِوى في الشّمال، وهذا ما نفعله بالضّبط الآن”، واعترف “أنّ إسرائيل ستُواجه أيامًا صعبة، ودعا الإسرائيليين إلى الحِفاظ على وحدتهم مع استِمرار الحملة العسكريّة”.
ويُعد تحقيق هذا الهدف بعيد المنال، في ظل التشابك بين الجبهتين منذ بدأت الحرب، والثمن السياسي والعسكري الباهظ للتراجع في الوقت الراهن. وقد خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بنفسه مؤخراً لوأد هذا السيناريو في مهده، مشدداً أن جبهة لبنان سوف تظل مرتبطة بجبهة غزة “مهما كانت الخسائر والتضحيات”.
كل هذا يضاعف من تأزم الأوضاع في جبهة الشمال، ويفتح مجال التكهنات بشكل ومضمون رد الفعل من قبل حزب الله، لاستعادة التوازن، حيث أطلق صواريخ تجاه مناطق شمالي فلسطين، استهدفت قواعد ومطارات، ومُجمعات الصناعات العسكرية في منطقة “زوفولون” شمالي مدينة حيفا.
إبعاد قوّات حزب الله، عن الحدود إلى ما بعد نهر اللّيطاني شمالاً لا يمكن أن يتحقّق بالغارات أو الضّربات الجويّة أو الاثنين معاً، وإنّما بغزوٍ برّيٍّ، وهذا أمر ليس بالسهل تحقيقه، لأن قوات حزب الله جاهزة للرّد، مضافاً إلى ذلك أنّها لن تكون وحدها.
كما أن هذه الحملة الجوية لا يمكن بحال من الأحوال أن تحقق أهداف “نتنياهو”، فالمساحة الشاسعة ليست كغزة التي فشل بها على الرغم من صغرها مقارنة بالجنوب اللبناني، فضلاً عن قدرات حزب الله العسكرية والتكتيكية الكبيرة التي تتضمن أسلحة وخططاً نوعية جديدة لم تدخل العمل بعد، كما حدث بقصف حيفا بصاروخ من طراز “فادي”.
في ظل الظروف الراهنة من جبهة مفتوحة في غزة لا معالم واضحة لنهايتها، ومع وجود قرابة 130 أسيراً ، سيكون من الصعب على “نتنياهو” فتح جبهة برية جديدة كونه سيسبب ثورة داخل الكيان، وإن أقدم على الاجتياح فلن يكون إلا فشل جديد يضاف إلى سلسلة إخفاقاته.