تقاليد سورية السيدة!
حسن حميد
أبداً، ما قرأت عن حادثة لأمة جامعة، حدثت بالقرب من الحدود السورية، إلا وكانت سورية بيتاً مشرع الأبواب، لكل من لحق به الأذى، أو أصاب أملاكه العطب، أو مرّت بروحه الرياح الثقال، ومن دون التمييز بين الجنسيات، واللغات، والعادات، والهويات، فالخير هو الخير حيثما كان، ومتى كان، والشهامة هي الشهامة حتى في أكثر الأحوال ضنكاً وضيقاً، هذه هي سورية، وهذه هي طباع أهلها التي تبدو جلية كيدٍ ندية، وروحاً مرحبة، وقيماً محتشدة بالنبل والكبرياء.
أقول هذا، وأنا أرى البيوت السورية المشرعة والمرحبة بأهلنا اللبنانيين الذين لحق بهم الأذى الإسرائيلي، ولطالما لحقت بهم الهمجية الإسرائيلية لأنهم ثابتون على الحق، وبادون في مواجهتهم للظلم مذ خلقهم الله، ومذ أنسنوا الجبال والأودية والأنهار والمغارات والكهوف في الجنوب اللبناني، وجعلوها علامات تحيط بها الحقول الوارفات، مثلما يحيط بها العمران الجليل، ومثلما تحوّم فوق بيوتها القراءات وأناشيد الكتب، وأوهاج الأحلام، وأنفاس العزة، وثقافة الكبرياء، والتعاريف الثبت أن الحياة موقف، وعمل، وكرامة.
هذه الروح السورية المرحّبة بالأخ والصديق والجار والحليف باتت، على مرّ الأيام، تقاليد سورية، وعادات سورية، وأعرافاً سورية، إنها نصرة المظلوم، ودفع الظلم ودفنه، وإعلاء شأن الإنسان الذي خلق من أجل أن يعيش حراً وكريماً وصاحب كبرياء.
كلّ السنوات، التي مرّت طيّ القرون، كانت سورية البيت الدافئ، ويد الإخاء لكل من ذاق طعوم الظلم، ولاسيما الأقليات والقوميات التي قصدت سورية بعد أن طالها السيف الظالم بسطوته، وبعد أن فتّت كرامتها أو كادت؛ كل الحروب والجائحات المرضية التي لحقت بالقوميات والأقليات المجاورة للبلاد السورية العزيزة، من طليان وأتراك، وتركمان، وشركس، وأرمن، ويونان، كانت البلاد السورية دار الدفء والحنان والترحاب بالمظلومين الذين طردوا وشرّدوا وهجّروا إلى داخل الأراضي السورية، وقد عاشوا طوال أوقات الحروب، والأمراض الفتاكة، عيشة المحبة والسعادة في سورية، وحين عادوا إلى بلادهم، عادوا كراماً شاكرين.
وسورية، وطوال الحروب التي شنّها العدو الإسرائيلي، منذ ٧٦ سنة وحتى اليوم، هي البيت العزيز الذي احتضن الفلسطينيين الذين ذاقوا مرارة الظلم والوحشية والعنصرية، تهجيراً، وتشريداً، ومطاردة، وقتلاً، بل، وأكثر من ذلك، حين أصدرت سورية القوانين والأوامر الإرادية التي آخت بين الفلسطيني والسوري مؤاخاة الشقيق للشقيق، وكذلك بدت سورية على هذا النحو خلال كلّ الحروب التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان، فكان السوري واللبناني في توأمة اجتماعية وروحية لا انفصام فيها أبداً.
وكانت سورية، في أثناء الملمّات التي لحقت بالعراقيين، طوال سنوات عديدة، دارة لهم فكفلت كرامتهم، وأيدتهم بالعزة والمكانة في جميع ما احتاجوا إليه من شؤون الحياة.
واليوم، سورية، ومن دون منّة، أو تعالٍ تفتح البيوت، والقلوب السورية أمام الأخوة والأحبة اللبنانيين، أهل الجنوب، أهل الأرض والعقيدة، وأهل الكبرياء، ولاسيما للنساء، والأطفال الذين طالتهم القنابل، والأحزمة النارية الإسرائيلية، في الليل والنهار، فهدمت البيوت، وخربت الحقول، والمعامل، ودمّرت المدارس، والمشافي، ودور العبادة؛ وكل هذا الترحاب الأهلي والرسمي صار عادة وتقليداً وسلوكية سورية، فالأخ أخ، والجار جار، والحليف حليف، ولا تبديل في هذا ولا زيغ، أما ما هو غير عادي، وأليم، وموجع، وهادم للقيم، والأعراف، والشرعة الدولية.. فهو ما يتمثّل بهذه الفرجة السخيفة القبيحة لدول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، على ما يمارسه العدو الإسرائيلي من بطش وتوحش وهمجية وولوغ بالدم اللبناني، مثلما فعل منذ سنة، ولا يزال، في قطاع غزة والضفة الفلسطينية المحتلة، وأخصّص هنا الغرب، لأنه هو من يملك القدرة على لجم هذا الوحش الإسرائيلي الذي يعربد قتلاً وتدميراً وتشريداً منذ 76 سنة، والغرب هو القادر على سحق شهوته على سفك المزيد من الدماء، وممارسة كلّ صنوف العنصرية والقهر، ولن يتمّ هذا إلا حين يكفّ الغرب عن تسليحه ودعمه والسكوت على ممارساته الشنيعة.
بلى، طال الوقت على عربدة العدو الإسرائيلي البغيض، وطال احتلاله الجائر، وطال السكوت على قبحه، وآن لظلمه الوقح أن يرتطم بالخاتمة.
Hasanhamid55@yahoo.com