Uncategorizedثقافةصحيفة البعث

غسان مارديني: ثمة علاقة وثيقة بين الجداريات والمكان

ملده شويكاني

السمكة السابحة في الفضاء المائي كانت إحدى الجداريات التي نفّذها الفنان التشكيلي المغترب غسان مارديني في كوالالمبور في ماليزيا، خلال إقامته هناك واطلاعه على فنّ شرق آسيا المكوّن من جنسيات متعدّدة، وفي الوقت ذاته ترك بصمة الفنان السوري المعبّرة عن هويته وشخصيته في المشهد التشكيلي الماليزي.

اتصف مارديني -مواليد ريف دمشق 1953- بالواقعية برسم لوحات حارات دمشق القديمة وبيوتها وأقواسها، معتمداً على التجزئة أحياناً بتجسيد جزء من كل برسم زاوية من زوايا البيت، ومن الفناء الخارجي المحيط، متوخياً استخدام الألوان الواقعية.

واتجه مارديني نحو التعبيرية الرمزية بالتطرق إلى موضوعات إنسانية واجتماعية وأسرية، إضافة إلى نسخ مشاهد من الطبيعة العالمية الرومانسية، ووظّف الحيوانات بتورية إلى أبعاد بعيدة غير مباشرة، مثل لوحته عن الفيل وروح الارتباط العائلي والخيل الأصيل ورومانسية البطة، وفي جانب آخر ابتدع شخصيات كرتونية قريبة من الأطفال من أشهرها شخصية علقمة برمزية إلى أطفال غزة، أما السمة البارزة بمساره الفني فهي اشتغاله بأعمال الديكور برسم جداريات كعنصر من عناصر العمارة الداخلية والديكور، ما ساعده على التمكن من إيجاد عناصر التوازن باللوحة.

ومن مراحل تطور التجربة الفنية لديه، بدأ حواري معه، فمنذ طفولته مارس هواية الرسم بعفوية، ثم شارك بالمعارض المدرسية ومهرجانات الشبيبة، وتابع: “في المرحلة الابتدائية كانت بداياتي بالرسم بأقلام الرصاص على الكانسون ثم تدرّجت إلى أقلام الفحم، وفي المرحلة الإعدادية تطورت تجربتي بالبورتريهات والطبيعة الصامتة وبرسم المشاهد الطبيعية بالألوان المائية، متأثراً بالفنان وليد عزت، وأوّل تجربة لي بالألوان الزيتية كانت بالمرحلة الثانوية برسم المناظر الطبيعية بأسلوب المدرسة الواقعية، ومن ثم تابعت بالاتجاه نحو التجريد ودمجت بين الواقعية والتجريد في بعض اللوحات، بالإضافة إلى التكعيبية والرمزية في أعمال أخرى، وخلال هذه المرحلة شاركت بمعارض جماعية، وفي عام 1972 حصلتُ على الجائزة الأولى في معرض ريف دمشق، إلى أن أقمتُ في عام 1994 أول معرض فردي لي في الحسكة ولاقى صدى إيجابياً”.

لكن الأقدار قادت مارديني إلى رحلة اغتراب إلى جدة بدأت منذ عام 1995، يقول: “مارستُ عملي الفني برسم الجداريات في رياض الأطفال والمدارس لشخصيات الرسوم المتحركة الشهيرة، ومن ثم عملتُ برسم غرف الأطفال للذكور والإناث بألوان وبرسومات تناسب أذواقهم وميولهم، وفي بعض الأحيان كانت رسوماً بانورامية للغرفة تتسلسل فيها حكايات وقصص الأطفال وفق تسلسل الأحداث من بدايتها إلى نهايتها.

ومن رسوم غرف الأطفال والمدارس إلى الرسم على جدران الـ”فلل”والـ”شاليهات” بالرسم على مساحات كبيرة، وبارتفاعات دوبلكس تصل إلى ستة أمتار، وعملتُ بالتطعيم بكورنيشات الأسقف بلصق ورق الذهب والفضة ثم الترميم والتعتيق، واشتغلتُ بتصاميم شعارات للمؤسّسات في مجال الدعاية والإعلان، وفي هذه المرحلة انتسبتُ إلى بيت الفنانين التشكيليين إلى مركز الجمجوم واشتغلت بالقصور والأسقف الكاتدرائية برسومات غربية ولوحات عالمية حتى عام 2013، إذ تابعتُ رحلة اغترابي في ماليزيا”.

وعقب مارديني على سؤالي عن العلاقة بين الديكور والجداريات بأنها وثيقة، لكون الفنان يتعلم تنسيق اللوحات في المكان المميز، ويوظّف القاعدة الأساسية بالديكور الداخلي وهي الاستفادة من الزوايا الميتة  في المكان لإحياء وإضفاء الحياة إليه، وتوقف عند عمله في ماليزيا واطلاعه على فن شرق آسيا المكوّن من جنسيات متعددة من الفنّ الياباني والصيني والهندي والتايلاندي والأندونيسي، وأشار إلى الأعمال الأندونيسية بتصاميم الشلالات المائية وهيكلة الإسمنت لأشجار وأرصفة الحدائق، منوّهاً بأن لكل جنسية ألواناً خاصة يتعاملون بها، وخاصة الفن الهندي إذ يغلب على الفنانين الطابع العقائدي حسب ديانتهم بالتشكيل، كذلك الفن الصيني الذي يستحضر فيه الفنانون الصينيون أساطيرهم وتاريخهم.

في العام الماضي عاد غسان مارديني إلى أرض الوطن بعد رحلة اغتراب طويلة، وانتسب إلى حاضنة دمر للمهن اليدوية، وشارك بمعارض جماعية ولفت الانتباه إليه بلوحاته الجميلة وألوانه الهادئة، ومنشوراته الشعرية والنثرية، وأقام معرضاً فردياً بقصر الضيافة في دوما، وحالياً يحضّر لمعرض فردي في دمشق في بداية الربيع القادم.