واشنطن تعود لرسم “الشرق الأوسط الجديد”
سنان حسن
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل من جديد على إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً لخططها ومشاريعها، بالاعتماد على الإرهاب الصهيوني المباشر لتنفيذ تلك المخططات، فالتطويع من خلال ما سُمي بـ”الربيع العربي المزعوم” لم يحقق ما كانت تسعى إليه واشنطن، بل بالعكس، خلق واقعاً جديداً في المنطقة، استطاعت فيه قوى المقاومة تحويل الخطر الأمريكي إلى فرصة لطردها من المنطقة، فما نشهده اليوم من إرهاب ممنهج ومجازر غير مسبوقة يشير إلى الحنق الأمريكي ورغبتها المستمرة في تغيير قواعد اللعبة بالنار، كما نرى في لبنان وفلسطين.
في عام 2006، وأثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان، خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لتقول: “إن آلام هذه الحرب هي الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد”، لكن إرادة المقاومة كانت أقوى وأفشلت المشروع الأمريكي، وفي عام 2009، ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خطاباً في القاهرة رسم فيه معالم “ربيع أسود” مغلف بالإرهاب، فبدأ من مصر ثم امتد إلى تونس وليبيا وسورية، لكن في سورية، بعزيمة أبنائها ودعم محور المقاومة، تمكنت من إفشال هذا المشروع مرة أخرى.
عاد المشروع الأمريكي من بوابة “الاتفاقيات الإبراهيمية” التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب عبر صفقة القرن، فوقعت عدة دول تلك الاتفاقيات، في حين روّج جاريد كوشنر، صهر ترامب وعرّاب الصفقة، لدول أخرى على الطريق، لكن هذا المشروع توقف بفعل “طوفان الأقصى” الذي أشعلته المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول 2023، مما أربك حسابات أمريكا و”إسرائيل”، وأسقط الرهانات على إنهاء القضية الفلسطينية وفرض الحلول الأمريكية.
اليوم، تغيّرت أدوات التعامل الأمريكي في المنطقة، لتأتي من بوابة العدوان على غزة بحجة حماية أمن واستقرار “إسرائيل”، فمارست “إسرائيل” بدعم واضح من واشنطن وحلفائها تدميراً ممنهجاً لكل جوانب الحياة في غزة والضفة الغربية، ثم امتد العدوان إلى لبنان، حيث اغتالت قيادات المقاومة، وصولاً إلى الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، معلنةً بذلك أنها تمضي نحو إنشاء “شرق أوسط جديد” يخلو من أي أعداء لـ”إسرائيل”، لكن هل ستحقق واشنطن أهدافها؟
الهجمة الأمريكية الحالية على المنطقة كبيرة، وتأتي في سياق سباق داخلي محموم لتحقيق إنجاز قبل الانتخابات الأمريكية، في ظل انقسام داخلي كبير وصراع على كسب دعم الكارتيلات العسكرية واللوبيات الصهيونية، وعليه فالوضع دقيق للغاية، ويتطلب من القوى الحية في المنطقة التعاضد لإفشال هذا المشروع، فبالرغم من فداحة الخسائر المسجلة، فإنها تبقى أقل بكثير من الثمن الذي قد تدفعه المنطقة إن نجح المشروع الأمريكي. وهذه المعركة لا تخص المنطقة وحدها، بل تشمل أيضاً القوى العالمية الساعية إلى تغيير النظام الدولي، وعلى رأسها روسيا والصين، التي ينبغي لها أن تقف مع هذه القوى في مواجهة الهيمنة الأمريكية، وإلا فإن طموحاتها ستصطدم بجدار الهيمنة الأمريكية المستمرة.