” المقاومة لا تضعُف”
علي اليوسف
تضيق مساحات الكلمات، ولا تجد لها مكاناً أمام الحدث الجلل، فمفردات اللغة وإن جادت تظل شحيحة، ومدامع الحزن لا تعوض رحيل رجل تصغر الحروف كلها أمامه. لقد كان القائد الراجح عقلاً التواق للشهادة من أجل الكرامة والتحرير. أراد الموت في سبيل القضية، وحظي بما تمناه، وسيبقى ضوءاً لا ينطفئ يتسلل نور نصره إلى قلوب الشرفا والمناضلين، لكن الألم لا يكمن في رحيله بل في يوم الانتصار الذي سيفتقد الجميع لذته بدونه، أما عزاؤنا فهو أن العدو ذاق من بأسه السم الزعاف.
واليوم، ونحن نودع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الشخصية الاستثنائية التي غيّرت لعقود المشهد السياسي في لبنان والمنطقة، لا بد وأن نستحضر حقيقة أن استشهاده ليس نهاية الطريق، بل محطة متجددة لمسيرة المقاومة، كما كان الحال بعد استشهاد العشرات من القادة.
وكما قال الرئيس الأسد في رسالته إلى المقاومة الوطنية اللبنانية وعائلة الشهيد حسن نصر الله: “لا تضعُفُ المقاومة باستشهاد قائدها، بل تبقى راسخة في صميم القلوب والعقول. لأن القادة الكبار يبنُون في حياتهم عقيدة النضال ونهجها وطريقها، ويرحلون وقد تركوا خلفهم منظومةً فكريةً ونهجاً عملياً في المقاومة والشرف. يبنُون لساعة القَدَر الحتمية التي لا تأتي صُدفةً، بل فيها عبرةٌ ونتيجة، إذ تنقلهم من الحضور المؤقت بيننا إلى الخلود الدائم في وجداننا وعقولنا قدوةً في الكفاح، جيلاً بعد جيل”.
صحيح أن استشهاد نصر الله يمثل حدثاً مفصلياً، لكن ذلك لا يعني أن المنطقة ستدخل الفراغ المطلق، فالمشروع مستمر في مواجهة “إسرائيل”، لأن قدر قادة المقاومات الاستشهاد، والشهيد نصر الله كان يعلم أنه يسير على درب قادة سابقين، في الحزب، وفي باقي حركات التحرر والنضال العالمية، فهم جميعاً مشاريع شهداء بحكم مواجهتهم المستمرة مع العدو المحتل.
ومادامت المقاومة ولادة، فلا يراهن أحد على الانكفاء، فالإستراتيجية الإسرائيلية التي فشلت في غزة ستفشل في لبنان، وهذه الجريمة ليست إلا مجرد لحظة عابرة، فاغتيال نصر الله لن يمثل ضربة قاسية للمقاومة الوطنية اللبنانية المغروسة جذورها عميقاً في نسيج المجتمع اللبناني، ونصر الله نفسه تولى قيادة المقاومة بداية التسعينيات خلفاً للشهيد عباس الموسوي، ليحول الحزب إلى أقوى قوة عسكرية “غير تقليدية” في العالم. وعليه، ليس للكيان الصهيوني أن يهنأ كثيراً، فالمقاومة قادرة في كل وقت على مفاجأة العدو الصهيوني بعزيمة وتكتيكات جديدة ما دام النهج قائماً.
لقد نجح الشهيد نصر الله على مدى أكثر من ثلاثة عقود في تحويل المقاومة إلى لاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط لا ينتهي دورها باستشهاد قائدها، وحزب الله الذي دافع عن فلسطين ولبنان، خاض صراعاً مدروسا مع الكيان المحتل، وهذا ما سيكون عليه الحال في قادم الأيام.