حقبة جديدة من الحروب المفخخة!
سمر سامي السمارة
تضغط آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة من الإدارة الأمريكية مرة أخرى على الشعب اللبناني الأعزل، ذلك، على الرغم من أن الأعمال العدائية التي يمارسها العدوان الإسرائيلي على الحدود اللبنانية مستمرة منذ تأسيس هذا الكيان الغاشم وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، لكن التصعيد المحمل بجرائم الحرب التي نفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي أذهل العالم.
لقد بدأ الأمر بتفجيرات تلتها انفجارات متزامنة مفخخة بـ”الزر الأحمر” لآلاف أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية داخل لبنان في 17 و18 من الشهر الحالي، والتي أدت إلى استشهاد 37 شخصاً، وإصابة 3700 آخرون فقدوا أيديهم وأعينهم وأصابعهم، بالإضافة إلى إصابة الكثيرين أيضاً بتلف في الأعضاء الداخلية.
من المؤكد أن حدوث مثل هذا الهجوم الغاشم على هذا النطاق غير مسبوق في تاريخ البشرية، فبينما كانت سيارات الإسعاف تسارع لنقل الجرحى، والمستشفيات المكتظة تستقبل الضحايا، ضربت طائرات إف-16 الإسرائيلية التي قدمتها الولايات المتحدة في جميع أنحاء لبنان، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 700 شخص وإصابة الآلاف، كان معظمهم من النساء والأطفال.
أدان خبراء القانون الدولي الغارات الوحشية التي نفذها العدو على المدنيين، مشيرين أيضاً إلى جريمة الحرب المتمثلة في تفخيخ منتج استهلاكي مثل أجهزة النداء أو جهاز الاتصال اللاسلكي، والضرر الهائل الذي لحق بالمدنيين.
من المؤكد أن تفخيخ منتج استهلاكي مثل جهاز النداء أو أجهزة الراديو ثنائية الاتجاه يمهد لمرحلة جديدة من الحرب، وقد دفعت هذه الوحشية ليون بانيتا، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزير الدفاع السابق، في مقابلة مع برنامج “صنداي مورنينغ” الإخباري على شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية إلى الاتهام العلني لـ “إسرائيل” بـالإرهاب، على الرغم من أنه لم يسبق لأي شخصية بارزة في مجال الأمن القومي أن هاجمت “إسرائيل” بهذه الطريقة.
قال بانيتا: إن تلك الهجمات التي خلفت عشرات القتلى وآلاف الجرحى “هي نوع من الإرهاب”، مرجحاً أن تؤدي إلى مزيد من العمليات الدموية خلال مسار الحرب.
وأضاف أن “القدرة على وضع متفجرات في أجهزة تكنولوجية منتشرة جداً هذه الأيام ومن ثم تحويلها إلى أداة لحرب إرهاب. فعلاً، حرب إرهاب.. هذا أمر جديد”.
وأردف “لا أعتقد أن هناك أدنى شك بأن هذا نوع من الإرهاب.. هذا الأمر يتعلق مباشرة بسلسلة التوريد. وعندما يكون هناك إرهاب يمس بسلسلة التوريد، فإن الناس يتساءلون: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟”.
في الحقيقة، يبدو أن بانيتا لم يكن لينطق بهذه الكلمات لولا موافقة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزارة الدفاع، ومع ذلك حتى الآن لا توجد عواقب على نتنياهو من قبل الإدارة الأميركية.
الآن يخشى هؤلاء المسؤولون من حقبة جديدة من الحروب المفخخة، فقد تتحول أجهزة الكمبيوتر والسيارات والهواتف الذكية والعديد من المنتجات الإلكترونية الأخرى إلى أسلحة حرب، والآن أصبح الناس في مختلف أنحاء العالم يعانون من هذا القلق والرعب والخوف الناجم عن “إسرائيل”، حيث جعل نتنياهو الضغط على الزر دافعاً للفوضى والقتل، وأعمال إرهابية واسعة النطاق. ولطالما وصف هو وأسلافه الأعمال الهجومية التي تنتهك قوانين الحرب بأنها تكتيكات دفاعية “مقبولة”، ومع ذلك يوافق الكونغرس والبيت الأبيض بشكل دائم على انتهاكه للعديد من القوانين الأميركية لصالح الحكومة الإسرائيلية .
بالرغم من الانتهاكات العلنية التي يقوم بها نتنياهو، فلم تصدر أية إدانة من جانب الرئيس الأميركي بايدن، أو وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أو وزير الدفاع لويد أوستن، ولا إدانة أو دعوات لعقد جلسات استماع عامة من قبل كبار الجمهوريين، أو كبار الديمقراطيين في الكونغرس.
وبحسب صحيفة “ذا هيل” قالت عضو مجلس النواب الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز: “إن هذا الهجوم ينتهك القانون الإنساني الدولي بشكل واضح لا لبس فيه ويقوض الجهود الأمريكية لمنع صراع أوسع نطاقاً، مضيفةً يحتاج الكونغرس إلى تقرير كامل عن الهجوم بما في ذلك إجابة من وزارة الخارجية حول ما إذا كانت أي مساعدة أمريكية قد ذهبت إلى تطوير أو نشر هذه التكنولوجيا”.
من المثير للسخرية، أن أي من وسائل الإعلام الغربية الرئيسة كصحيفة واشنطن بوست وصحيفة نيويورك تايمز، لم تنشر افتتاحيات في الأسبوع التالي تنتقد نتنياهو، فلا يمكن وصف التقليل من قيمة حياة الفلسطينيين واللبنانيين إلا بالعنصرية.
لقد كان خطاب بايدن الملتوي أمام الأمم المتحدة هذا الأسبوع يروج للسلام والديمقراطية، بينما يمول نظامه الاستبدادي الحرب، ولم ينطق بكلمة واحدة ضد الإرهاب الإسرائيلي، إنها مجرد دعوة ضعيفة أخرى إلى هدنة مدتها 21 يوماً تسخر منها حكومة نتنياهو المتطرفة المرتكبة للمجازر والإبادة الجماعية، بتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين.
يظهر الواقع أن نتنياهو مكروه من قبل 3 من أصل 4 إسرائيليين، لكن الانتخابات القادمة لن تُعقد قبل تشرين الأول 2026، وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فإن نتنياهو ربما يلغي الحديث عن وقف إطلاق النار لتجنب محاكمته الجنائية الوشيكة بتهمة الفساد.