البعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

ما مصير المقاومة: فكرةً وفكراً؟

د.عبد اللطيف عمران    

انتقل حسن نصر الله، سماحة السيد، ليكون مع الصديقين والشهداء والصالحين وحُسن أولئك رفيقاً، فأضحى رمزاً وطنياً وعربياً وعالمياً من رموز المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان والهمجية شاء من شاء وأبى من أبى.. فهل المشروع الصهيوني في المنطقة مشروع تنموي : إنسانياً أو اجتماعيا أو أخلاقياً؟! والجواب عند المحرَجين من المقاومة حتى ثقافة ونهجاً.

فمن يستطيع أن ينكر أن هناك أراضي عربية محتلة، ومقدسات إسلامية ومسيحية يعبث بها الصهاينة ويدنسونها جيلاً بعد جيل؟.

ومن يستطيع أن ينكر أن هناك احتلالاً واستلاباً لغير جغرافية الأرض، للإرادة والقرار والثروات بالوعد والوعيد…إلخ مما لا يغيب عن أذهان أبناء الحياة من حَفَدة الحضارة العربية الإسلامية من المحيط إلى الخليج… وأبعد من ذلك مدى؟.

ومن يستطيع أن ينكر أن التحالف الصهيو- أمريكي بقواه وأدواته الظاهرة والخفية قادر بعد غياب حقبة التوازن الدولي والثنائية القطبية، أن يهدد وينفذ الحصار والعقوبات أحادية الجانب متى وضد من يشاء، وأن هذه العقوبات وذلك الحصار على الرغم من أنهما يستهدفان لقمة العيش وحبة الدواء وسائر الخدمات الضرورية للحياة – البنى التحتية -، هما أكبر خطراً من ذلك، إذ هما يستهدفان الوعي والهوية والانتماء فتتحول الدولة والمجتمع بالضرورة إلى ميلشيات اقتصادية وحزبية وسياسية واجتماعية وعسكرية كل منها مضطر لنشدان الخلاص الفردي، فتتحطم جرّاء ذلك- البنى الفوقية – المعنوية والروحية في المجتمعات، فإذا تعافت البنى التحتية يوماً ما، وجدت الحكومات بنى فوقية متهالكة يصعب ترميم جراحها، فتتجه تلك الجراح لتصبح تاريخية ومستدامة، وهذا الخبث لا يغيب عن مراكز الاستشراق في الغرب التابعة للدولة العميقة.

مَن مِن العرب والمسلمين، وشعوب العالم جميعاً لا يعرف أن المشروع الصهيوني مضاد دائماً للمشروع القومي العربي، وللأمن القومي العربي، وللإسلام التاريخي المحمدي، وإن هذا المشروع تطوّر من استيطاني، إلى احتلالي، إلى إبادي كما في لبنان وفلسطين اليوم، إلى احتوائي، إلى (تغييري كلي) في الجغرافية والتاريخ والأعراف والدبلوماسية والروح والعادات والثقافة…إلخ.

وفوق هذا مَن عليه أن يتذّكر، وألا يغيب عن ذاكرته ولا سيما من العرب وبخاصة من الدبلوماسيين الشباب القرار الأممي 242 لعام 1967، وبعده القرار ذا الرقم 3271 لعام 1975 الذي عرّف الصهيونية (هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري- وطالب – جميع دول العالم بــ(مقاومة) الإيديولوجية الصهيونية التي تشكلّ خطراً على الأمن والسلام العالميين) وكذلك قبله القرار الأممي رقم 1351 لعام 1973 الذي أدانت بموجبه الجمعية العامة للأمم المتحدة التحالف الآثم بين العنصرية والصهيونية… ثم أتت اتفاقيات كامب ديفيد وأسلو ووادي عربة لتطيح بكل أوجه النشاط الأممي رفيع المستوى المناضل لإصدار هذه القرارات، ومثلها كثير، ولولا الدماء الجارية اليوم في فلسطين ولبنان لكنا نرزح تحت وطأة صفقة القرن، والدبلوماسية الروحية، والاتفاقات الأبراهامية؟!.

والأمر نفسه مع القرار الأممي رقم 2013 لعام 1978 الذي يسوغ ويؤيد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال فعدّ (كفاح الشعوب لتقرير مصيرها هو كفاح مشروع يتفق مع مبادئ القانون الدولي: العام- والإنساني-، فليس لسلطات الاحتلال حق سيادي على الأراضي المحتلة).

هل كان على الشهيد، والقائد حسن نصر الله وحده أن يدرك ذلك؟! .حقاً هو أدرك ذلك، ثَقِفَهُ وناضله، وهو رحمه الله وغفر له ما كان ولن يكون وحيداً.

(فلا تضعف المقاومة باستشهاد قائدها، بل تبقى راسخة في صميم القلوب والعقول، لأن القادة الكبار يبنون في حياتهم عقيدة النضال ونهجها وطريقها، ويرحلون وقد تركوا خلفهم منظومة فكرية ومنهجاً عملياً في المقاومة والشرف). بحرارة وكبرياء قال هذا الرئيس الأسد في رسالة سيادته إلى (المقاومة الوطنية اللبنانية- عائلة الشهيد حسن نصر الله)، وبعرفانٍ وتأريخ كتب سيادته الحق بالحق، وبخاصة في الختام.
نحن في سورية، وفي التيار القومي العربي المعشش في الوجدان من المحيط إلى الخليج، وعند أحرار العالم وشرفائه، وفي حزب البعث ندرك ذلك كله، ولم ولن ننساه، في عالم لم ولن يكون فيه الشهيد الرمز حسن نصر الله أضحية المقاومة والشرف والحق والحقوق وحده.