المقاومة ثقافة..
نجوى صليبه
المُقاومة لغةً اسم، وتعني صعوبة تواجهها قوّة معيّنة، وهي معارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير، وهي مواجهة الخطر أو العدوّ والثّبات وعدم الاستسلام له، على الرّغم من قوّته وسيطرته الجزئيّة أو الكلّيّة على ميدان القتال، وهي مقاومة العنف بالعنف، أي مواجهة قرّر مقاومة العناصر الفاسدة، وهي كما عرفناها في خطابات وأفعال القائد المؤسّس حافظ الأسد، الذي دعم نواة حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، ومن بعده السّيّد الرّئيس بشار الأسد، من أجل تحقيق إرادة الشعب العربي في التحرّر من الاحتلال الإسرائيلي والتصدّي للمشاريع الأمريكية في المنطقة، فعاشها واختبرها أهلنا سابقاً، وعشناها واختبرناها -نحن جيل الثّمانينات- خلال سنوات الحرب الأخيرة على وطننا، ودفعنا ثمن مقاومتنا غالياً، لكن في سبيل الوطن والكرامة والحقّ كلّ غالٍ رخيص.
المقاومة ثقافة تعلّمناها على مقاعد الدّراسة حين أنشدنا “فلسطين داري ودرب انتصاري”، وسلكناها بحبّ وعاطفة قوية عندما استقبلنا أخوتنا اللبنانيين القادمين من تحت قصف العدوان الصّهيوني على لبنان، فكانت حرب تموز، حرب النّصر والصّمود والكرامة التي قادها السّيّد الشّهيد حسن نصر الله الذي قابل الوفاء بالوفاء والذي لم ينسَ يوماً أن يذكر سورية ودورها المهمّ والأساس في محور المقاومة، ذاك أنّ من شيم وثقافة المقاوم الإخلاص والوفاء والالتزام بالمبادئ والحقوق والواجبات أيضاً.
والمقاومة ثقافة تحصّن المجتمع وتعزّز انتماء أفراده وتقوّيهم، وتساعدهم في تحديد أهدافهم وتوجيه أفكارهم، وتنمّي ارتباطهم بهويتهم وحضارتهم، ومن إرهاصاتها يولّد الأدب والفنّ والفكر المبدع والأصيل، روايةً وقصّة وشعراً وتمثيلاً ومسرحاً وغناءً وإعلاماً، وتالياً يكوّن مخزوناً ثقافياً وزاداً فكرياً يكون أساساً لهم في المستقبل ليكملوا مسيرة الأجداد والآباء في مقارعة العدو وحماية الأرض والكرامة، بكلّ السّبل والطّرق الممكنة والمتوافرة.
والمقاومة فكرةٌ وفكر كما قال السّيد الرّئيس بشار الأسد في البرقية التي وجهها إلى المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة وعائلة الشّهيد حسن نصر الله، مؤكّداً “لا تضعُفُ المقاومة باستشهاد قائدها، بل تبقى راسخة في صميم القلوب والعقول، لأنّ القادة الكبار يبنُون في حياتهم عقيدة النضال ونهجها وطريقها، ويرحلون وقد تركوا خلفهم منظومةً فكريةً ونهجاً عملياً في المقاومة والشرف، يبنُون لساعة القَدَر الحتمية التي لا تأتي صُدفةً، بل فيها عبرةٌ ونتيجة، إذ تنقلهم من الحضور المؤقت بيننا إلى الخلود الدائم.. في وجداننا وعقولنا قدوةً في الكفاح، جيلاً بعد جيل، المقاومة فكرةٌ وفكر، والشهيد نصر الله هو ذاكرتها وتاريخها، وهو لن يكون يوماً أسطورة، بل سيبقى نهجاً يُنتج حقيقة تفرض واقعاً قلبُه المقاومة وجوهره العزة وبوصلته الكرامة وعنوانه التحرير ومنارته على مرّ الأجيال هو الشهيد حسن نصر الله”.
من هنا نؤكّد قول إنّ الثّقافة مقاومة، علينا استثمارها واستخدام أدواتها بالشّكل الأمثل، وهي البديل الذي يجب أن ننشره ونعطيه حقّه من التّسويق ليكون في وجه “ثقافة” القتل والعنف والتّنكيل والاغتيالات التي يمارسها العدوّ الصّهيوني المجرم في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأراضي اللبنانية التي ما تزال تحت مرمى نيرانه منذ أسبوع وأكثر، استشهد خلاله آلاف الأبرياء، واغتيل ما اغتيل من قادة المقاومة وعلى رأسهم السّيد نصر الله وهو الذي قال يوماً، تحديداً في مؤتمر ثقافة المقاومة 23-5-2006: “نحن بحاجة إلى وضع إستراتيجية دفاع وطنية شاملة، الوطن كله والشعب كلّه والدّولة والجيش والقوى الأمنية والقوى السّياسية والأحزاب وشرائح الشّعب المختلفة كلّها يجب أن تكون مساهمة في تنفيذ وتطبيق هذه الإستراتيجية الدفاعية، شمولية بمعنى مشاركة الجميع، وأن يكون متاحاً للجميع المساهمة فيها، وثانياً شمولية بمعنى أنّ هذه الإستراتيجية ليست عسكرية فقط، إنّما هي شاملة لكلّ الأبعاد الأخرى.. بمعنى أنّنا بمواجهة التهديد والعدوان والخطر نحن بحاجة إلى الدبلوماسية والسياسة والإعلام، الإعلام الذي يحدّد العدوّ والصّديق، وإلى الإعلام الذي يخوض الحرب النّفسية مع العدوّ، ويستنهض الهمم ولا يثبط ولا يخوّف، نحن بحاجة أيضاً إلى إستراتيجية إعلامية وجهد إعلامي، ونحن بحاجة أيضاً إلى الثّقافة والتّنشئة الوطنية، لأنّه لا يمكن الحديث عن إستراتيجية وطنية شاملة فيما يثقف بعضنا أولاده وأحفاده أنّ “إسرائيل” عدو وبعضنا الآخر يثقف أولاده أنّ “إسرائيل” صديق وليست عدواً”.