أرض وقمران وشمس خجلى
غالية خوجة
أصبح مدار الأرض بلون الدم، ويطلّ عليه قمران، أولهما العرجون القديم، والثاني ضيف جديد مؤقت، وما زالت الأرض تستغرب مما يحدث، والشمس تخجل من النظر إلى هذه الأشلاء المتشظية، والنار تتمنّى لو أنها تفقد صفتها المؤلمة، فلا تكون حارقة، والحجارة تحلم بألّا يكون الموت قد جعل سكانها مجرد ذكريات.
كأنّ هذا ما أراد أن يقوله طفل قبل أن يتحول إلى رماد.
أصوات الدمار ترفضها الطبيعة، حتى الشجر يئنّ، والشبكة الافتراضية تتمنّى لو أنها لا تُستخدم في تفجير الأجهزة المفجّرة للناس، لكي لا نسمّيها قاتلاً، حتى الدمار نفسه لا يريد أن يسمع أصوات الدمار.
بلغت الجراح منتهاها، وتكدّس الموت في كل مكان، وما أصعب أن تكون في تلك الحالة، ولا تجد أمّاً إلاّ سورية التي انتصرت بضوئها على الظلمات، وما زالت تتعافى من وحشية الإرهاب الذي دمّر الآثار المحلية العالمية، ودفن الساكنين بحجارة بيوتهم، وشرّد شعبها بين الأصقاع والأرجاء والبلدان التي أطلقت عليهم “لاجئين”، على الرغم من أنهم جذر الحضارة، وأهل الشهامة والكرم والضيافة.
سورية أمّ العرب، والعرب جميعاً أهلها، تحضنهم، وتحتضنهم، ولا تتوانى لجزء من الثانية عن مدّ ذراعيها لهم، وهذا ما يسري في دم كل عربي سوري وبشكل عفوي، وهذا ما أثبتته الأحداث على مرّ الأزمنة.
ليت العالم يرى الكأس كاملاً، لكي يصحو ضميره، ويقف مع الحق، ولو فعل ذلك، لاستيقظت الإنسانية، وأوقفت الحروب عن الشعوب، وتساءلت: ترى، ما ذنب العائلات، والأطفال، والنساء، وأصحاب الهمم؟ ما ذنب من يدافع عن وطنه؟ ما ذنبهم وهم يغادرون بيوتهم ووطنهم هرباً من النيران المعادية؟
سوريتنا الحبيبة بلهفتها المعتادة، وبلهفة شعبها الطيب، وعلى الرغم من كل ظروفها، تظل سوريتنا الحبيبة التي لا تفخر، فقط، بانتمائها الحضاري، وهويتها العربية، وتراثها الإنساني الغني بثقافة العصور، بل تجسّد هذا الفخر سلوكاً واقعياً على كل المستويات الرسمية والشعبية.
وللمتابع أن يرى أشكال الترحيب بأخوتنا العرب في مشاهد تُبثّ إعلامياً، ومشاهد أخرى ملموسة من السوريين كأفراد، وكل واحد منهم يكتب في وسائل التواصل الخاصة به كلمات الترحيب المعبّرة بصدق عن شفافية هذا الشعب المكلوم وهو يقول لأخيه العربي المكلوم: “البيت بيتك ونحن ضيوفك”.
ما أجملك سورية بكل حالاتك، لأن الإنسانية نبضك الحضاري، وتشهد عليه الأمكنة والأزمنة، كما شهدت وتشهد قلعة حلب على مجلس سيف الدولة الثقافي والفني، كما شهدت وتشهد حضارة الأندلس، والرقُم الطينية في “أوغاريت”، و”إيبلا”، كما شهد ويشهد العالم على أهدافك الدائمة من المحبة والتعاون والسلام والمعرفة والثقافة والموسيقا والفنون والعلوم، وهي أهداف إنسانية خالدة وأبدية، لا تتقادم في الماضي والحاضر والمستقبل، لأنها المستقبل الذي يطمح إليه كل إنسان واعٍ، حكيم، عارف، صادق مع نفسه والآخرين.
وبالمقابل، تأبى أي حضارة، ويأبى أيّ شعب حضاري، رؤية كل هذا التدمير الظالم للأوطان وشعوبها، ويظل مغمضاً عينيه، مغلقاً فمه، مصمّاً أذنيه، ورؤية كيف يتحول الأحياء إلى أشلاء اختلطت باللهب والحديد والحجارة والتراب، ولا يستيقظ ضميره، ورؤية كل ما يحدث ويصطنع الخرس والعمى والطرش!.
إنه لمؤلم أن يعيش الإنسان في هذا الزمن، ويشعر بأن الأرض تبكي على الأشلاء البريئة، وأن الشمس تخجل من النظر إلى مدار الأرض الذي صار أرجوانياً.