الشهيد الأسمى والأقدس
عناية ناصر
ارتقى سيد المقاومين وبطل الانتصارات سماحة السيد حسن نصر الله شهيداً جراء العدوان الوحشي والهمجي الذي نفذه العدو الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، ليلتحق برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم البطولية حوالي ثلاثين عاماً من نصر إلى نصر.
نال السيد نصر الله عن استحقاق لقب “سيد المقاومة” لدوره في قيادة المقاومة الوطنية اللبنانية بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الصهيوني الذي استمر 22 عاماً، وفي عام 2004 كان لنصر الله دور أساسي في عملية تبادل الأسرى بين الحزب و”إسرائيل”، ووصفت هذه العملية بأنها أكبر صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين، إذ لم يتمّ تحرير أسرى من لبنان فقط، بل شملت الصفقة مئات الأسرى من جنسيات عربية أخرى سورية وليبية ومغربية وفلسطينية. وزادت شعبيته في حرب تموز 2006، والتي استمرت 33 يوماً وتعرّضت فيها “إسرائيل” لخسائر فادحة واضطرت للانسحاب من جنوب لبنان دون تحقيق أهدافها. واكتسب السيد حسن نصر الله خلال هذه الحروب والمواجهات العسكرية مع الكيان الصهيوني سمعة كبيرة وشعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي، وارتبط اسمه بمقاومة “إسرائيل” ومناهضة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
ارتقى السيد حسن نصر الله شهيداً عظيماً على طريق القدس وفلسطين، ليلتحق بقافلة رفاقه الشهداء، وأبى حتى النفس الأخير، أن يتخلّف عن أداء الواجب نصرةً للمقاومة في قطاع غزة في “طوفان الأقصى”، التي مثّلت المعركة “بين الحق كله، والباطل كله”. فمنذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي التي شنّتها المقاومة الفلسطينية، واقتحمت من خلالها المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين، وقامت “إسرائيل” بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع في عدوانٍ استهدف وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين، انخرطت المقاومة الوطنية اللبنانية في المعركة وأعلن السيد نصر الله عن فتح “جبهة” في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، مؤكداً حتى قبل أيام قليلة من اغتياله أنها لن تقف إلا بعد إنهاء الحرب على غزة، رافضاً كلّ المساومات في هذا الإطار.
إن مكانة نصر الله كمفكر تكتيكي واستراتيجي، وكأبرز زعيم موثوق به في محور المقاومة، وكشخصية قادرة على إلهام وطمأنة المؤيدين حتى في أسوأ الأوقات لا يمكن المبالغة في تقديرها، ولا شكّ أن الخسارة كبيرة وعظيمة من منظور المقاومة التي لا تواجه ترسانة “إسرائيل” الهائلة فحسب، بل وأيضاً كل موارد الولايات المتحدة والغرب.
وبعد قرن من النهب والأهوال التي ارتكبتها الصهيونية، لم يستسلم الشعب اللبناني ولا الفلسطيني، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنهم سيستسلمون الآن، بل على العكس من ذلك سوف يزداد تصميم المقاومة، وسوف تتوسع دائرتها، كما حدث في كل مرحلة من مراحل النضال من أجل التحرير، ولن يغيّر اغتيال نصر الله بالقنابل الأمريكية والطائرات الحربية الأمريكية الحاقدة، وبمساعدة أخرى من واشنطن مسار الانحدار الذي تشهده القوة العالمية للولايات المتحدة، القوة التي تعتمد عليها” إسرائيل” في بقائها.
إن الشهيد السيد نصر الله امتزجت دماؤه بدماء شهداء المقاومة في فلسطين، وفي كل جبهات القتال والإسناد على طريق القدس، استشهد في أشرف وأطهر معركة شهدها العصر الحديث، معركة “طوفان الأقصى”. إن قامة عملاقة بحجم سماحة السيد حسن الله لا يليق بها سوى الشهادة “على طريق القدس”.
لا شكّ أن شهادة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ستترك بالتأكيد أثراً عميقاً في جبهة المقاومة، لكن هذه الشهادة لن تخلّ أبداً في عزمها أو تضعفه، بل ستزيدها قوة وإصراراً على مواصلة نهجه.