دراساتصحيفة البعث

نفقات الحرب تعصف بالاقتصاد الإسرائيلي

د. معن منيف سليمان

يتعرّض الاقتصاد الإسرائيلي لضغوط شديدة على وقع تواصل الحرب الوحشية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام تقريباً، مع تفاقم الأوضاع على الجبهة الشمالية وتراجع احتمالات وقف إطلاق النار في غزة. ما دفع وكالة “موديز” إلى تخفيض التصنيف الائتماني للكيان بمقدار درجتين في دفعة واحدة، وأبقت على توقعاتها السلبية للتصنيف بسبب “المخاطر الجيوسياسية”.

وشدّد تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية على تعرّض اقتصاد الكيان الصهيوني لضغوط شديدة على وقع تواصل الحرب على قطاع غزة، وذلك في معرض إشارته إلى ميزانية عام 2025 التي قدّمها وزير مالية الاحتلال المتطرف “بتسلئيل سموتريتش”، حيث شدّد التقرير على أن الميزانية تتحول في كيان الاحتلال إلى “ميلودراما بسبب ضغط الإنفاق العسكري على الاقتصاد”.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس غرف التجارة الثنائية “دان كاتاريفاس” واصفاً الصراع الداخلي داخل الإدارة وضغوطاً من البنك المركزي، الذي طالب بتوضيح السياسة المالية: “كانت هناك مخاوف من أن الحكومة لم تجهز ميزانية مناسبة”.

وفي مواجهة عدم فهم فريقه، دعا “بتسلئيل سموتريتش” رئيس قسم الميزانية في وزارته إلى الاستقالة، حسب التقرير.

وفي مؤتمر صحفي، قال “سموتريتش”: “نحن في أطول حرب وأكثرها تكلفة في تاريخنا، التي تراوحت بين 200 و 250 مليار شيكل”.

لمواجهة هذه المشكلة، تخطّط إدارته لتخفيضات في الميزانية بقيمة 35 مليار شيكل، بهدف الحدّ من العجز إلى 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً للتقرير.

وشدّدت الصحيفة الفرنسية، على أن هذه الأرقام مؤقتة، ويمكن إعادة تقييمها تبعاً للوضع على الجبهة، وخاصة في حال حدوث هجوم أوسع في لبنان.

وبحسب “سموتريتش”، ستتمّ الموافقة على الميزانية في موعدها من قبل كنيست الاحتلال الإسرائيلي بحلول نهاية السنة، دون تحديد خطته للادخار. وفي هذا الصدد، يتساءل رئيس غرف التجارة الثنائية “دان كاتاريفاس”: “نحن بحاجة إلى خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، ولكن ليس لدينا بيانات، كيف سيصل إلى هناك؟ الرأي العام الإسرائيلي غير راضٍ عن إدارة هذه الأزمة”.

وأوردت الصحيفة أن الموعد النهائي للمصادقة على الميزانية غير واقعي نظراً للمهام الواجب تنفيذها والتوترات السياسية المحيطة بالامتيازات المخصّصة لطوائف دينية معينة.

ويستمر الاقتصاد الإسرائيلي في الانزلاق في العجز العام، حيث أعلنت العديد من الإجراءات الاقتصادية مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة، وتجميد المزايا الاجتماعية والرواتب في القطاع العام، وتعليق المزايا الضريبية.

وأشار التقرير إلى أن هذه طريقة لزيادة الضرائب بشكل غير مباشر، على الرغم من أن حكومة الاحتلال أعربت بوضوح عن معارضتها لأية زيادات أخرى تعدّها غير مناسبة في أوقات الحرب.

وإلى هذا الوقت لا تزال غالبية الميزانية العسكرية في “إسرائيل” تمول من خلال الديون المقترضة من الأسواق الدولية. وفي نهاية سنة 2024؛ ارتفعت الميزانية العسكرية من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 80 بالمئة.

وبيّنت الصحيفة، أنه إذا كانت تكلفة أكثر من 300 ألف جندي احتياط، في بداية الحرب،  باهظة جدّاً على “إسرائيل”، فإن الإنفاق على المعدات العسكرية هو الذي يثقل كاهلها اليوم.

لقد اعتمد الكيان على احتياطياته من الذخيرة لتزويد الجبهات الثلاث التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويجب عليه تجهيز نفسه للتكيّف مع الهجمات المتطورة، على غرار الصواريخ الموجهة بدقة التي يستخدمها حزب الله، حسب التقرير.

ومع صعوبة احتمال وقف إطلاق النار على المدى القصير، فإن التكاليف سوف تستمر في الارتفاع. ويجب على جيش الاحتلال أيضاً أن يقوم بتدريب البدلاء لبعض جنوده المصابين البالغ عددهم 12 ألف جندي.

وذكرت الصحيفة الفرنسية، أنه من المؤكد أن هذا لا يزال أقل من علامة 100 بالمئة التي تجاوزتها معظم البلدان المتقدمة. باستثناء أن “إسرائيل” التي تخوض حرباً منذ سنة، قد شهدت تخفيض تصنيفها الائتماني منذ بداية السنة من قبل وكالات التصنيف الثلاث الكبرى، ومن ثم يجب أن تتحمّل علاوة مخاطر أعلى.

وكانت وكالة “موديز” خفضت التصنيف من A2  إلىBaa1، وهو ثاني خفض منها لتصنيف الكيان خلال العام الجاري. وقالت “موديز” في بيان إن “الدافع الرئيسي وراء خفض التصنيف هو اعتقادنا أن المخاطر الجيوسياسية تفاقمت بشكل كبير إلى مستويات مرتفعة للغاية، ما ينذر بعواقب مادية سلبية على الجدارة الائتمانية لـ”إسرائيل” على المديين القريب والبعيد”.

وقال الاقتصاديون في “موديز”، ثاني أكبر وكالة تصنيف في العالم، إن الحرب الواسعة التي تشنّها “إسرائيل” على غزة ولبنان تتسبّب في نفقات هائلة على ميزانية الدولة، وأضرار جسيمة للاقتصاد بسبب شلّ جزء من أنشطته، وخاصة على الحدود الشمالية (الجبهة اللبنانية)، وتعبئة قوات احتياط واسعة النطاق، وحاجة الحكومة الإسرائيلية إلى الحصول على قروض على نطاق واسع في الداخل والخارج.

وكانت وكالة “فيتش” قد خفّضت أيضاً تصنيفها الائتماني للكيان في شهر آب الماضي، وأبقت على توقعاتها السلبية للتصنيف.

ووفقاً لشركة المعلومات التجارية “كوفاس”، تمّ إغلاق 46 ألف شركة منذ السابع منذ تشرين الأول، ومن المتوقع أن يؤدّي استمرار الحرب إلى اختفاء 60 ألفاً، منها في سنة 2024 (مقارنة بنحو 40 ألفاً في الأوقات العادية).

وقد أبقى الاحتلال بالإضافة إلى ذلك، على حظر الدخول على مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في الكيان قبل السابع من تشرين الأول، ولم يُسمح سوى لعدد قليل منهم بالعودة لتخفيف العبء عن بعض الشركات.

ولا يزال قطاع البناء والزراعة يعاني من هذا النقص في العمالة، كما أن محاولات التوظيف في الخارج تواجه “بيروقراطية غير فعالة”، على حدّ قول “دان كاتاريفاس”. كما كان هناك حديث عن اتفاقيات مع أذربيجان وسريلانكا والهند حتى تايلاند، لكن المفاوضات بين الدول طالت والحكومات قلقة على أمن مواطنيها.