ثقافةصحيفة البعث

شادي سروة: الموسيقا السريانية أحد مكونات الموسيقا السورية

ملده شويكاني

هل يوجد ما يسمى بالموسيقا السريانية؟ وهل هي آرامية أم سريانية؟ وهل الموسيقا السريانية سورية؟ وما أوزانها وإيقاعاتها؟ وما التحديات التي واجهتها وتواجهها؟.

مجموعة من الأسئلة طرحها الباحث الموسيقي شادي سروة في المحاضرة التي ألقاها في المركز الثقافي العربي بـ “أبو رمانة” حول هوية الموسيقا السريانية، واتخذت الطابع الحواري المتداخل مع العرض السمعي – البصري لمقطوعات الموسيقا السريانية وفق تتابعها الزمني، بالاتكاء على التدرج الزمني بشرحه عن تاريخ الموسيقا السريانية وحاضرها.

استهل سروة بحثه بلمحة تاريخية عن أبحاث أكدت الفضل الكبير في تطور الموسيقا المنتشرة في بلاد الشام عامة، ويعود ذلك إلى الشعب السوري المتمثل بالأموريين – الكنعانيين والآراميين اللذين يعدان من أعمدة الحضارة السورية، إذ حمل الأموريون الموسيقا من بلاد ما بين النهرين عن طريق الحوريين الذين أخذوها من البابليين، وقاموا بتطويرها وإيجاد نظام لتدوينها ونشرها وحفظها، فكانت موسيقا مدينة أوغاريت السورية، ثم استحضر الرقم المكتشف لأوغاريت عام 1948 والذي يعود إلى 3000عام قبل الميلاد، وهو أنشودة دينية موجهة إلى آلهة القمر، وبعد انهيار الممالك الأمورية – الكنعانية في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ظهر الآراميون وقاموا بتأسيس ممالك متفرقة في بلاد مابين النهرين واقتبسوا الموسيقا منها ومن أوغاريت وماري، وطوروها واستخدموا للمرة الأولى طريقة التدوين على الورق وجلود الحيوانات بدلاً من النقش المسماري في الطين والحجر ما ساهم في نشر الثقافة والموسيقا، وبعد ذلك ظهرت الموسيقا السريانية لتكون ابنة أو امتداد الموسيقا الآرامية الوثنية المقدسة في المعابد والقصور الملكية، كما انتشرت بالأغنيات الشعبية التي نشأت في هذه المنطقة من العالم.

ويتابع الباحث أن السريان هم الآراميون الذين سكنوا سورية الطبيعية وبلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين واعتنقوا الديانة المسيحية، فتمت تسميتهم بالسريان، ليصل الباحث إلى أن السريانية هي الامتداد للآرامية وهي ابنة الحضارة السورية، ويتوقف عند مسألة تاريخية مهمة توضح المفهوم الخاطئ المنتشر بأن وجود السريان في سورية يعود إلى الهجرة القسرية عام 1915 نتيجة المجازر العثمانية بحق السريان المعروفة بـ” سيفو”، فالسريان الآراميون هم مكون أساس من مكونات التاريخ والحضارة السورية، ومن هذا التحليل يكون الجذر التاريخي للموسيقا السريانية أحد الجذور التاريخية للموسيقا السورية.

ويجيب الباحث عن أسئلته التي طرحها بالبداية “هل الموسيقا السريانية سورية؟” بالقول: “نعم هي موسيقا سورية بل هي أحد مكونات الموسيقا السورية وجزء منها”، أما عن هوية الموسيقا السريانية، فمهد لها بتشكّل هذه الهوية مع الموسيقا الدينية في النصف الأخير من القرن الثاني وبدايات القرن الثالث مع المؤلف كبرد يصان الذي بدأ بوضع الألحان والموشحات ليسوّق إلى أفكاره أو معتقداته الدينية التي لم تكن تناسب الكنيسة السريانية وقتها، ليحارب أفكاره مار أفرام السرياني الذي استخدم الأسلوب ذاته بتأليف الأغنيات والأناشيد التي حملت الفكر الصحيح للكنيسة السريانية، ليخلص إلى هوية الموسيقا السريانية التي تتكون من موسيقا المدن والأرياف الآرامية المنتشرة حينها، وهي جزء من الموروث الموسيقي السوري، ومن الموسيقا الدينية الوثنية واليهودية وخاصة المزامير، ومن نتاج المؤلفين وأرباب الموسيقا الدينية مثل كبرد يصان، ومار أفرام السرياني ويعقوب الرهاوي وماربالاي وجماعة الخزافيين، بالإضافة إلى بعض التأثيرات الموسيقية اليونانية والبيزنطية والفارسية والتركية والعربية.

وبعد السرد التاريخي، انتقل الباحث إلى التقنية الموسيقية السريانية، فاستعرض نظام الألحان في الكنيسة السريانية والقوالب الموسيقية والأغنية الشعبية، فتوقف عند الألحان السريانية الكنسية التي تعتمد في أساسها على أجناس المقامات وليس كامل المقام، ومن ثم تحدث عن صفات الموسيقا الشعبية والدينية من خلال العرض التسجيلي، ثمّ أفرد في القسم الأخير من المحاضرة التحديات التي واجهتها الموسيقا السريانية عبر التاريخ، ففي بداية القرن السابع منعت الكنيسة السريانية استخدام اللغة السريانية خارج الكنيسة على اعتبار أنها لغة مقدسة، كما منعت استخدام الآلات الموسيقية داخل الطقوس الكنسية، وكان التحدي الثاني أن الموسيقا السريانية بشقيها الكنسي والشعبي موروث انتقل مشافهة عن طريق السمع والحفظ من دون وجود تدوين موسيقي له، ما جعله قابلاً للضياع والتعديل من قبل ناقليه.

أما التحدي الثالث هو غياب البحث العلمي والتاريخي لما يخص الموسيقا السريانية، وغياب الدعم المجتمعي والحكومي للحفاظ على هذا التاريخ في بعض مراحل في العصر الحديث، عكس ما نشهده حالياً من مبادرات وزارة الثقافة بالحفاظ على هذا الموروث الذي يعد جزءاً من الموروث الثقافي الحضاري السوري، ومن المشهد الثقافي السوري المعاصر.

وأشار الباحث إلى النهضة الحديثة للموسيقا السريانية في بداية القرن التاسع عشر، ومن ثم استحضر الأعمال الغنائية والموسيقية لأعلام الموسيقا السريانية السوريين السريان منهم نعوم فائق وغابريال أسعد وحبيب موسى وجان كارات ويوسف شمعون والراحل الكبير نوري اسكندر” الملفونو”.