أربعائيات.. قراءة من خارج الصندوق
من اغتال هنية ونصر الله؟؟
مهدي دخل الله
هذه القراءة مجرد محاولة لنبش الواقع بشكل أعمق، وبالطبع لا يوجد أي دليل على صحتها أو خطئها.
هناك تصوران لدى العرب حول “إسرائيل”، البعض يراها مجرد “شبكة عنكبوتية” واهية، والتعبير للشهيد نصر الله، والآخرون، وهم الأغلبية الساحقة يرون أنها “على كل شيء قديرة”..
هذان التصوران الخاطئان يستندان إلى شعور العرب بالضعف، وبالابتعاد عن الواقعية التي تستند إلى تحليل للواقع من جميع جوانبه، بعيداً عن رغباتنا ومواقفنا المسبقة “ستيريوتايب”.
عندما احتلّ جنود الكيان سيناء إبان العدوان الثلاثي على مصر (1956)، قال لهم بن غوريون: “لا تفرحوا.. أنتم ما انتصرتم لأنكم أقوياء، وإنما لأن العرب ضعفاء”. صحيح أن “إسرائيل” ازدادت قوتها بعد (1956)، لكن هذه القوة ازدادت بمتوالية حسابية، بينما ازداد ضعف العرب بمتوالية هندسية، أي أن الفجوة بين الجانبين اليوم أوسع بكثير.
لكني أرى أن الكيان لم يقتل هنية ونصر الله، وإنما كان وراء العملية مخابرات من دول الإقليم، مع دعم لوجستي أمريكي مهمّ.. لا أعتقد أن “إسرائيل” تستطيع اغتيال نصر الله بهذه السهولة، أما اعترافها فهو ليس دليلاً، لأن ذلك يصبّ في عباءة غرورها وتخويفها للعرب. أكرّر أن رأيي هذا مجرد قراءة قد يكون بعضها خاطئاً أو مصيباً أو كلها خاطئة.
مخابرات دول الإقليم تستطيع الوصول بسهولة إلى نصر الله، عبر عناصر لبنانية وغيرها، تشكل المحيط البشري الطبيعي حول المقاومة.. المشكلة الواضحة أن تطبيق السلام الأمريكي “Pax Americana” في المنطقة يتعثر بسبب تعنّت نتنياهو الذي يرى في المقاومة “عدواً مفيداً” يبرر له تعنّته أمام حلفائه الأمريكيين، تماماً كما اخترعت أمريكا العداء للإسلام “الإسلاموفوبيا” بحثاً عن العدو المفيد يعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
يقوم السلام الأمريكي، بالأساس، على مبدأ الدولتين، والتطبيع الكامل بين العرب و”إسرائيل” بما يحقّق الرؤية الإستراتيجية الأمريكية في بناء “ممر بايدن”، أي الخط الحديدي الذي يصل الهند بحيفا عبر الخليج والأردن.
بلينكن أعلنها صراحة في وثيقة رسمية قدّمها لمجلس الأمن، أواخر العام الماضي، حيث أكد أن وقت السلام قد حان، ويقوم على مبدأ السلام العادل (قرارات الأمم المتحدة) والشامل (الجولان والأراضي اللبنانية) وحق الدولتين، كما أنه استخدم -لأول مرة- حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولة تامة (لاحظوا مصطلح تامة).
هذا السلام بحاجة لإزالة مبررات نتنياهو للتعنّت، وهذا ما حصل.
بقيت مشكلتان: مشكلة حماس التي ستضطر لإعطاء السلطة في غزة لعباس، ثم المشكلة الأكبر إزاحة نتنياهو بشكل أو بآخر، وهذه مهمّة أمريكية خالصة.
من وجهة نظر تاريخية، يرى الصهاينة أنفسهم اليوم في مأزق تاريخي، فالعالم كله، بما فيه أمريكا، يطالبهم بإعطاء الضفة للشعب الفلسطيني، أي اقتسام فلسطين بين العرب والصهاينة (تذكروا قرار التقسيم 1947)، وهذا يعني أن على الصهاينة أن يتخلوا عما يسمونه “يهودا والسامرة”، وهي قلب دولتهم التوراتية المزعومة.
طبعاً.. هذا المأزق التاريخي لم تصنعه رغبة أمريكية، وإنما المقاومة على مدى عشرات الأعوام، وقد أثبتت أن الفلسطينيين شعب موجود وليس مجرد لاجئين، كما كانت تسميهم بعض القرارات الدولية.